د.رفعة بنت موافق الدوسري
يلجأ الساسة في بناء أنظمتهم اللغوية إلى المعرفة القبلية الكلية بثقافة الآخر وتطلعاته، لا سيما في بعض مظاهر الخطاب السياسي التي تتطلب تدخلاً عاجلاً، أو تلك التي تستشرف ملامح الشارع وتناقش آلامه، وهو في الوقت نفسه نظام لغوي يبنى في ضوء الثقافة التي ينتمي لها، ولكنه يتمثل حيز السلطة، فيتلبس بخصائصها.
وعلى ضوء ظروف السياسة، يمكن الحديث عن خمسة مظاهر للخطاب السياسي المعاصر:
الخطاب السياسي الرسمي:
الذي يضطلع به صناع القرار وكبار المكلفين، نحو خطابات الملوك والرؤساء ووزراء الخارجية في المؤتمرات والمحافل الدولية المهمة، ويدخل في هذا الخطاب السياسي إبان الأزمات وفي المواجهات العسكرية.
خطاب الحملات الانتخابية:
يغادر الخطاب السياسي -في صورته هذه- المؤسسة السياسية، وينزل إلى الشارع باحثاً عن مُتَلَقٍّ تتعارض قوانين المؤسسات السياسية وظروف المرحلة مع واقعه وتطلعاته، فيوفر له مجموعة من الخيارات ضمن ديباجة لغوية تسخر لها كل إمكانات اللغة، في محاولة استمالة متلقين من طبقات ومستويات اجتماعية وثقافية مختلفة، وهو خطاب مسرحي موسمي، مما يجعله خطاباً مضطرباً ومتكلفاً، ويجر حشداً من الزيف والمبالغة، إذ إن المنتج لكل مقولة سياسية -في ضوء هذا المظهر- هو صوت الناخب.
المناظرة:
قد تعد إحدى مراحل الحملات الانتخابية في بعض المؤسسات السياسية، وهي سجال لغوي يستعرض عبرها المتكلم ثقافته وجدارته وقوته وأحقيته وسقطات خصمه، فيسعى إلى إظهارها وكشفها، ثم تستمر المناظرة على هذا النسق. ويعتمد الطرفان -في الغالب- على الحجج المنطقية ولغة النزاع.
وهي سمة من سمات بعض الخطب السياسية، وإن لم تتوفر الشروط المقامية للمناظرة، إذ تعد مظهراً من مظاهر الخطاب السياسي بطبيعته السجالية.
الخطاب السياسي في مواقع التواصل: (الرسمي وغير الرسمي)
أما الرسمي فهو لا يختلف كثيراً عن الخطاب السياسي الرسمي الذي يضطلع به كبار الساسة، ولكنه قد يتلبس شيئاً من خصائص مواقع التواصل فيأخذ بعداً إعلامياً في البناء والتلقي، أي أنه معرض لإعادة بنية الواقع في بعض معارض الخطاب، لا سيما إذا تعلق الأمر بشأن حقوقي إنساني.
وأشكال الخطاب السياسي غير الرسمي في مواقع التواصل (وإن كانت صادرة عن مكلف) متشعبة ومتعددة، وربما غير قابلة للحصر، لتباين وجوهها وكثرة أدواتها واستمرار الصناعة الخطابية فيها، وارتباطها بتطور الأنساق الخطابية والتقنية، ولجوء الساسة فيها إلى الإغراق في الغموض والإبهام والابتكار، إلى الحد الذي يجعل المتلقي في حالة بحث دائم عن أدوات تعينه على بناء الواقع، ليفهم رسائل الساسة في مواقع التواصل.
خطاب رموز الكيانات الحزبية:
مازالت الجماعات الحزبية تشكل خطراً على أمن المجتمعات، وإن لم تخترق ميادينها عسكرياً، فقد استبدل ساسة تلك الجماعات خوض غمار العمل العسكري في بعض الدول بقوة الخطاب، والظفر بميادين اللغة والمنابر والنوافذ الإعلامية، عبر إستراتيجياتهم التحريضية، التي يحبكها ساسة تلك الجماعات بعد تدبير ونظر وبحث وتنقيب في السياسات والمجتمعات والثقافات والرغبات.