سنوياً في الثامن عشر من صفر أقفز خطوة للأمام، لأكمل مسيرة الخالدة.
لم أفكر كثيراً إذا وصلت الثلاثين كيف ستبدو الحياة، أو كيف سأكون حينها..
لكني بعدما تجاوزت الثلاثين بخطوتين؛ أعتقد أنه لا شيء جدير بالاهتمام..
هناك فروقات حصلت وشعرت بها جلياً، حينما وصلت للتاسعة والعشرين، وما بعدها..
ولعل أهم خصلة كانت هي تغيّر الأهواء، والمحبوبات، والأصدقاء..
المحبوبات من المأكولات والمشروبات وحتى الأماكن، تتغير مع تقدمك في السن..
حينما وضعت نصف رجلي في بحر الثلاثين توقعت أنه سيصيبني داء الحكمة، وسأكون أكثر توازناً في الحياة؛ لكني اكتشفت أني صرت مضطرباً أكثر من السابق، وأن الحكمة تنفلت من تفاريج أصابعي، ولم أعد أركن إلى أحد..
والأصدقاء -لا كثرهم الله- أضافوا لمسات سحرية على هذه التجربة في بحر الثلاثين، وجعلوها مشعللة بالنكهات الحارة، والتي جعلتني أؤمن أن الصداقة خرافة من ضمن الخرافات..
أرأف كثيراً بمن هم أصغر عمراً لتلهفهم على أن يصبحوا كباراً؛ فهانحن من الكبار وما الميزة؟ لا شيء سوى الهم والغم والمسؤوليات المتزايدة..
وهذه الطريق لست فيها لوحدي فهذا وجيه غالي يقول:
«عندما كنت في العشرين في عمري، كنت أتطلع إلى الثلاثين باعتبارها نهاية لشرودي العقلي والجسدي، والآن بعد أن أصبحت في الثلاثين من عمري، لم أعد أتطلع إلى شيء، لأنني أعلم أن الأمور ستستمر بهذه الطريقة»
ميزة بحر الثلاثين أنه حككني حتى علمت أني وحيد في هذه المعمورة، أحارب كل هذه الجيوش بمفردي..
لقد صدق الذي همس لي في أذني وأنا في غمرة جذلي بين الناس: أنت وحيد ما لم يثبت عكس ذلك..
لربما كنت قبلاً أظن أني من محاور الكون وأن الناس لطالما تفكرني بي؛ لكن الثلاثين كانت تحمل المرآة أمامي دائماً، واكتشفت أني لوحدي دائماً وليس خلفي أحد والناس يمرون عجلى دون الانتباه أصلاً؛ فعشت حياتي حسب احتياجاتي لا احتياجاتهم وخلعت ثوب الظن أنهم يفكرون بي..
علمتني الثلاثين ألا أختبر النهر مرتين، وأنه ليس هناك شيء مجاني أبداً، وأن العيش بالعرض أرحب من العيش بالطول..
لقد خسرت من عمري سنيناً لأدرك أن الحب خارج المثلث يختلف جذرياً عن داخله، وأن حب «العابرين» يورث تشويشاً أبدياً..
علقت ثوب اصطباري على مشجب السنين، وجلست عارياً من الأمنيات أستقبل وفود السنين بمفردي..
إن كانت السنوات القادمة مثل الثلاثين الماضية: فيا حسرتاه لقد ضيعت أيامي.
** **
- حاتم الشهري