لم ينقطع سيل نظراتك، بل تبعتها مشاعرك مجتمعة، هل كنت ترتوي من ظمأ أمضّكَ؟
في غرفة انتظار العيادة، كهل يئن من وجع، كهل بلحية بيضاء صغيرة تشبه لحية والدك، وبعينين فاترتين أنهكهما المرض كعيني والدك قبل وفاته، صدحت الممرضة باسمك مرّة وثانية وثالثة، كنت مستهاماً بعيداً شعث الفؤاد، وكأنّ والدك أتى من غياهب الزمن ليُنقذك من نفسك التائقة، أتى بحميميته بعاطفته برائحته العابقة داخلك، عصاه بجانب مقعده، يئن من مرضه الذي كان يُمرِضك، كنتَ تخشى فقده كلما ارتفع أنينه، وعندما انطفأ أنينه اشتعل أنينكَ، للمرّة الرابعة تنادي الممرضة باسمك، وأنت تشعّ بفرح طفولي، أن عاد إليكَ والدك من غياهب الزمن بعد أن انطفأ ذات صباح شتوي، نادت الممرضة باسمه، اهتز الكهل، تلمّس مكان عصاه، قفزتَ نحوه، صرتَ عصاه، اتكأ على كتفك ومضيتما نحو عيادة الطبيب، ظنّه الطبيب والدك، بهجتَ لظنّه واستغرقت في أمنيتك، أتيت بوصفة العلاج من الصيدلية في الطابق الأرضي، مددت يدك نحوه لتساعده في النهوض، سار يتكئ على كتفك، في الخارج كان ابنه يقف بسيارته أمام باب المستشفى، نزل وفتح له باب السيارة، ناولته كيس الدواء، أخذه دون أن يلمح في وجهك توقاً إلى والدك.
** **
- عبدالكريم النملة