رضا إبراهيم
تُعَدُّ الترجمة فنًا مستقلاً بذاته، وهي فن قديم لازم الأدب المكتوب، حيث إنه يعتمد على الإبداعات والحس اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات، ما يمكن البشرية شرقاً وغرباً من التواصل، والاستفادة بخبرات بعضهم بعضًا في مختلف المجالات.
وقد عُرِف المترجم بأنه ذلك الوسيط المحايد، الذي يسعي جاهداً إلى إيجاد الروابط بين عوالم اتسعت الهوة بين بعضها بعضًا، لعدم الاستيعاب وسوء الفهم، ما يجعل من الترجمة أداةً ووسيطاً للتعبير عن الاختلاف. ولقد أشار المستشرقون إلى دور العرب في الحضارة الأوروبية من خلال التراجم، كما أشار بعض الأدباء الغربيين ومن أهمم كان الكاتب والأديب الألماني جوته (1749 - 1832م) إلى فضل علوم العرب على الغرب، وتلك الإشادة لم تكن إلا بنجاح ترجمة العديد من المؤلفات من العربية إلى اللغات الأخرى.
وخير مثال، ما أتقنه المترجمون العرب للعديد من اللغات كـ (حنين بن اسحق وثابت قرة) من العربية والسريانية، وكذلك العلوم التي يترجمونها، والمعلوم أن حنين بن اسحق كان قد سبق له الإقامة لفترة في اليونان لدراسة اللغة اليونانية، وكان يترجم الجملة بأخرى تطابقها في اللغة العربية، ولا يترجم كل مفردة على حدة، كما ترجم (يوحنا بن البطريق وابن الحمصي) وغيرهما، وكذلك فإن الطريقة التي اتبعها حنين بن اسحق هي الأفضل من بين الكتب التي ترجمها حنين بن اسحق كتابي (الطبيعة - الأخلاق) لأرسطو، كما لزم الاهتمام بدقة الترجمة، ما أظهر ترجمات عدة لنص واحد، مثلما الحال عندما ترجم أبو بشر متى بن يونس كتاب (الشعر) لأرسطو (384-322) ثم ترجمه مرة أخرى يحيى بن عدي، ما يعني أن تكرار الترجمة يدل على الحرص والدقة في العمل.
ومنذ أمد بعيد عرف العرب الترجمة، فكانوا يرتحلون للتجارة في الصيف والشتاء ويتأثرون بجيرانهم في مختلف نواحي الحياة، وعرفوا بلاد الفرس، وانتقلت إليهم ألوان من ثقافتهم، كما انتقلت أيضًا بعض الألفاظ الفارسية إلى العربية، وظهرت بشعر كبار الشعراء، ومنهم من استخدم بعض الكلمات والألفاظ الفارسية في شعره، كما احتك العرب منذ الجاهلية بالشعوب الثلاثة المحيطة بهم من الشمال والشرق والجنوب، وهم الروم والفرس والأحباش، وكان من الصعب قيام مثل تلك الصلات الأدبية والاقتصادية دون وجود مترجمين على مستوى عالٍ من الكفاءة، وفي زمن الدولة الأموية تم ترجمة الدواوين واهتمت بحركة الترجمة الأمير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، كما أنه اهتم بحركة التنوير لأبعد مدى، وفي العصر العباسي كانت الترجمة بعد فتوحات العرب، واتساع رقعة الدولة العربية نحو الشرق والغرب، واتصال العرب المباشر بغيرهم من الشعوب المجاورة وفي مقدمتهم الفرس واليونان، وبالأخص في العصر العباسي، التي لزمت الحاجة فيه لوجود الترجمة، فقام العرب بترجمة علوم اليونان وبعض الأعمال الأدبية الفارسية، ومن ثم ترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة والنقد والأدب، وفي عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، بلغت حركة الترجمة مرحلة متطورة جداً.
وتسعى الترجمة إلى نقل المعرفة، والترجمة لعبت أهم الأدوار عبر التاريخ، فمن خلالها تم نقل الكثير من المعارف، والتقريب بين الكثير من الثقافات والحضارات، وعملت الترجمة على نمو المعرفة الإنسانية على وجه العموم، والترجمة أصبح لها أهمية كبيرة، فكلما زادت عوامل الانفتاح سواء اللغوي أو الثقافي زادت الحاجة إلى الترجمة، للتواصل بين مختلف الشعوب وبعضها بعضًا، وباتت ضرورة في عالمنا المعاصر، وهي تعد همزة وصل تعمل على تقريب المسافات، والاستفادة من العلوم المعارف والثقافات المختلفة.
وحالة ما إذا كانت الترجمة أدق وأكثر تفصيلاً، وصل المعنى بشكل أفضل وأدق، وعلى سبيل المثال قد تصبح مسألة السلام والحرب بين الدول مرهونة بدقة الترجمة بين رجال الدولة، وهناك من الخبراء من أكد أن التنوع الثقافي يعادل في أهميته بالنسبة للبشرية أهمية التنوع البيولوجي بالنسبة للطبيعة، ما يعني أن ضمان التعدد الثقافي مرهون بتفعيل دور الترجمة في تحريك هذا التواصل، وفي الوقت نفسه جرى التوجيه لأهمية الترجمة، في صيانة الهويات اللغوية والثقافية في العالم، والحيلولة دون طمس الخصوصيات الثقافية واستلاب الهويات.
وقد لا تخضع عمليات ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية، لمعايير أدبية ولا لنظام يحتكم للقيمة الأدبية، لأن ترشيحات الترجمة يقوم بها في أغلب الأحيان شخص واحد، ما يعني وجود رؤية فنية واحدة وذوق فني واحد يفرض نفسه في اختيار هذه النصوص، ويوجد تقسيم آخر للترجمة، وهو الترجمة ضمن اللغة الواحدة، وتعني هذه الترجمة أساساً إعادة صياغة مفردات رسالة ما في إطار اللغة نفسها، ووفقاً لهذه العملية يمكن ترجمة الإشارات اللفظية بواسطة إشارات أخرى بللغة نفسها، وهي تُعدّ عملية أساسية نحو وضع نظرية وافية للمعنى، مثل عمليات تفسير (القرآن الكريم)، وهناك الترجمة من لغة لأخرى وتعني هذه الترجمة ترجمة الإشارات اللفظية لإحدى اللغات، عن طريق الإشارات اللفظية للغة أخرى، وما يهم في هذا النوع من الترجمة، ليس مجرد مقارنة الكلمات ببعضها فقط، بل تكافؤ رموز كلتا اللغتين وترتيبها، أي يجب معرفة معنى التعبير بأكمله، وهناك الترجمة من علامة إلى أخرى، وتعني هذه الترجمة نقل رسالة من نوع معين من النظم الرمزية، إلى نوع آخر دون أن تصاحبها إشارات لفظية، وبحيث يفهمها الجميع، ففي البحرية الأمريكية على سبيل المثال، يمكن تحويل رسالة لفظية إلى رسالة يتم إبلاغها بالأعلام، عن طريق رفع الأعلام المناسبة.
وتُعدّ ترجمة الأفلام نوعية مختلفة تماماً عن ترجمة النصوص، وهي تعتمد على ترجمة اللهجة العامية أو اللغة الدارجة للمتحدثين، وهنا تكمن صعوبة إيجاد المقابل الثقافي لكل كلمة في اللغة المترجم إليها، حيث إن اختلاف الثقافات والحضارات هو الذي يحكم وجود كلمات بعينها في لغة ما، وقد يعتمد المترجم على مهاراته السمعية في الترجمة أحياناً، لعدم توافر النص المكتوب للفيلم، وقد يتوفر النص، ولكن عدم مشاهدة الأحداث تشكل صعوبة بالترجمة، فلا يستطيع المترجم التمييز بين المذكر والمؤنث بالأفلام الناطقة باللغة الإنجليزية، وذلك لطبيعة اللغة الحيادية، وفي أفضل الحالات يتوفر للمترجم النص المكتوب وشريط الفيلم، وقد تكون تلك الحالة مثالية وقليلة الحدوث.
وهناك خلط واضح في استخدام مصطلح (الترجمة الحرفية)، فهناك من يفهمها على أنها استبدال لفظي للكلمات في لغة المصدر بما يقابلها في اللغة الهدف، وأن يتم ذلك بطريقة أشبه بالمقابلة بين الألفاظ، ويرى أن هذا معناه ضرورة أن يكون عدد الجمل بل والكلمات في النص الهدف، مساوياً أو يكاد لما هو عليه في اللغة المصدر، وهذا محض خطأ وسوء فهم لمعنى هذا التعبير، والذي يشار به في الأساس إلى عدم التصرف في محتوى النص الأصلي، سواءً من حيث ما يتضمنه من معانٍ وأفكار، أو من حيث محتواه الكمي، فلا يتم حذف أو إضافة أي جزء للنص الأصلي، إذ إن الترجمة الحرفية أي الترجمة الكاملة للنص شكلاً ومضموناً، يقابلها ما يعرف بالترجمة الحرة، أو التي يقوم فيها المترجم بإجراء تغيير بالمحتوى، مع الحفاظ على المعنى، لذا فإن الأمانة التي نقصدها عندما نقول إن المترجم، إما أن يكون أميناً أو خائناً للنص الأصلي، إنما تعني في جوهرها الدقة في نقل المعنى بما يضمن إحداث الأثر نفسه الذي يتضمنه النص الأصلي.