د. عبدالحق عزوزي
أكَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال قمة قادة الدول والحكومات في مؤتمر الأطراف حول المناخ كوب 27 التي تنظم في شرم الشيخ في مصر، بأن مسألة المناخ «حاسمة في عصرنا» داعياً إلى ضرورة الضغط على الدول لتعزيز جهود مكافحة الاحتباس الحراري وخصوصاً الصين والولايات المتحدة الأكثر تلويثاً في العالم، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن البشرية أمام خيار العمل معاً أو «الانتحار الجماعي». وهذا الكلام وحده يلخص أن العالم المناخي ليس بخير؛ وما سنتركه لأبنائنا لن يكون مصدر فخر لهم؛ وسيحمل جيلنا مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام التاريخ لما يجري وسيجري في المستقبل القريب...
ومن التأثيرات السلبية الرئيسية على مكافحة التغير المناخي تجدد التوتر بين أكبر ملوثين في العالم، الصين والولايات المتحدة. كما أن الرئيس الصيني شي جينبينغ غاب عن كوب27 في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بانتخابات منتصف الولاية....
كما أن الجانب المالي لا سيما مساعدة الدول الغنية لتلك الفقيرة ذات المسؤولية المحصورة جدا على صعيد انبعاثات غازات الدفيئة لكنها معرضة كثيراً لتداعياتها المدمرة، من أكثر الملفات الصعبة في المؤتمر.... لكن مع ذلك، أدرجت المسألة المالية المتعلقة بالخسائر والأضرار رسمياً على جدول أعمال مؤتمر الأطراف... وتُقدّر هذه الأضرار بعشرات المليارات منذ الآن، ويُتوقّع أن تستمر بالارتفاع الكبير؛ فالفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان تسبّبت وحدها بأضرار قُدّرت بأكثر من 30 مليار دولار أمريكيا.
فالثقة على صعيد هذه الملف بين الشمال والجنوب شبه منعدمة بعدما فشلت الدول الغنية في الإيفاء بالتزاماتها تقديم مائة مليار دولار سنوياً لأفقر بلدان العالم لمساعدتها على خفض الانبعاثات والتكيّف مع تداعيات التغيّر المناخي.
ويشير الخبراء إلى أن التغييرات المناخية ستستمر في منحاها التصاعدي في المستقبل لتزيد من تأثيرها على حياة الإنسان عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية؛ زد على ذلك أن بعض الظواهر من قبيل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه المحيطات سيبقى غير قابل للحل إلى ابد الآبدين...
فالحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة كل 10 سنوات وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة سيصبحان أيضاً أكثر تواتراً.
ولا يخفى على كل متتبع أن النشاطات البشرية هي التي تتسبب في كل هاته المصائب وهذا كله يشكل إنذارا أحمر للبشرية؛ أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا...
للأسف الشديد، العالم لا يتعظ. وكنا من بين أولئك المتفائلين مع تداعيات انتشار وباء كوفيد في العالم الذين استبشروا خيراً بالمستقبل القريب، وقلنا في تحاليلنا المتنوعة عن عالم ما بعد كورونا أن صحّة البيئة ستوازي صحّة البشر أهميّة وما يعني ذلك من التعامل الجاد مع التغيّر المناخي والقضاء على المخاطر التي تحدق بدول العالم من عواصف تزداد عتواً، وحرائق غابات متسعة، وفيضانات وموجات جفاف وهي كلها مرتبطة بتغير المناخ إضافة إلى تلوث الهواء نتيجة حرق الوقود الأحفوري؛ ولكن للأسف الشديد فالتقارير الأممية تشير بالملموس إلى غياب المناهج الحكومية الشاملة...
آخر الكلام: عندما بدأ النظام العالمي يخاف من انتشار القنبلة الذرية والأسلحة النووية، فرضت تعهدات ملزمة قانوناً؛ ولعل أهم مبادئها، هي تلك التي حددتها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي التي تم التفاوض بشأنها عام 1968، وأبرمت وقتئذ؛ تأسيساً على تفاهمين محوريين اثنين: تعهد الدول المالكة للقنبلة بالتخلي عنها، وتعهد الدول غير المالكة لها بمواصلة الامتناع عن امتلاكها. المهم أن ذلك أعطى أكله ولم تدخل إلى مصاف الدول التي تمتلك الأسلحة النووية بعد ذلك التاريخ إلا دول قليلة وكان ذلك على حساب شعوبها؛ ويبقى في نظري أن نقيس أخطار صناعة الأسلحة الفتاكة مع ما يقوم به البشر من أعمال تخريبية في حق المناخ؛ فكلا العملين طامة كبرى على البشر وكلاهما يحتاجان إلى نفس التخوف لإزالة المشكل من الجذور... فلو استطاعت البشرية أن تفكر بهذا المنظور لأصبح تنفيذ الاتفاقيات الدولية في مسألة المناخ مسألة إجبارية ولأوصلنا أبناءنا وكل الأجيال المقبلة إلى بر الأمن والأمان.