زكية إبراهيم الحجي
من أنت؟ سؤال قد يبدو بسيطاً في ظاهره عند الكثير.. لكنه ساذج عند بعض من يتصف بالنرجسية وكبرياء «الأنا».. من أنت؟ سؤال يأخذ أبعاداً كثيرة قد يلفها بعض الغموض مما يجعل الإجابة عليه تستدعي التزام الصمت أمامه في كثير من الأحيان.. إلا أن لحظات الصمت لا تمنعنا من البحث عن إجابة شفافة ومنطقية رغم أن ذلك ليس بالأمر السهل ولا الهين.
أملك ألف إنسان في ذاتي ولا أستطيع أن أكون واحداً منهم.. هكذا قال الفيلسوف والروائي الفرنسي «أندريه جيد» صاحب رواية «سيمفونية الحقول وقوت الأرض» فهل فعلاً يبحث الإنسان عن ذاته من بين ألف إنسان يهيم في أعماقه.
لعل سبر أغوار الذات من أصعب الأمور التي يواجهها الإنسان لما تجمعه من تناقضات ومشاعر متباينة وتأرجح ما بين العقل والعاطفة وبالتالي قلما ينجح البعض في مسيرته الحياتية بنزع كل الأقنعة التي يلبسها مجبراً كان أو مختاراً.. نتيجة تسيطر عوامل الظاهر الإنساني عليه في أغلب الأحيان بمعنى إظهار الصورة الإنسانية المثلى الجميلة الخلاقة بغض النظر عما يخفيه من حقائق في أعماق ذاته وهذا في حد ذاته من أصعب الأمور وصعوبتها تكمن بأنها تتطلب صدقاً ومصالحة مع الذات ليدرك حقيقة جوهره الإنساني وأن لا يخضع لأنانيته وينجرف نحو أهوائه.
كثير منا لا يعبأ بفن العزلة المؤقتة لإعطاء نفسه فسحة من الهدوء والصفاء والتأمل الانفرادي.. والعيش مع ذاته بعيداً عن صخب الحياة وهروباً من عالم غذته الحروب والفوضى.. فن العزلة المؤقتة تفتح الآفاق أمام الإنسان كي يلامس ذاته ويكتشف القيمة الإنسانية الكامنة فيها وربما غفل عنها من حيث يدري أو لا يدري بغض النظر عن إيجابياتها أو سلبياتها.. ولعل «ابن سينا» كان محقاً عندما لامس الحقيقة الخفية والجوهر النفيس الكامن في أعماق الإنسان عندما أشار إلى ذلك في قوله:
محجوبةٌ عن كلّ عينٍ رائية
وهي التي أسفرتْ فلم تتبرقعِ
لكي تعرف من أنت؟ أنت بحاجة إلى أن تلجأ إلى نفسك كي تكتشف ذاتك وهذا لن يتسنى لك إلا بالابتعاد عن سجن يسمى نظرة الآخرين تضع نفسك فيه فينسيك ذاتك ورغباتك ويجعلك قيد رهن الآخر.. وهناك أمر في غاية الأهمية على أي إنسان أن يدركه.. وهو أن مقارنة نفسك مع الآخرين ومراقبة حياتهم ونجاحاتهم أو فشلهم هو فخ قاتل للطموح والثقة وبالتالي يجعلك فريسة للهواجس والحزن والنقمة على أوضاعك والنهاية تتوه في درب شائك.
البحث عن ذاتك ومعرفتها والحوار معها أيها الإنسان تجعلك قادراً على معرفة الحياة وحقيقة من حولك.. بل تجعلك تظهر كل الرغبات الدفينة التي تسكن في أعماقك والتي يمكن لأي إنسان أن يعيشها في الخفاء مع ذاته دون أن يظهرها إما لخوفه من الصورة الخارجية أو خوفٍ يتولد نتيجة رأي الآخرين.. مهما كانت الحقائق خفية فإن البحث عن الذات يبدأ بخطوة.