أ.د.عثمان بن صالح العامر
ليس جديداً القول إن هذه الدنيا مليئة بالمكدرات والمنغصات والمحزنات التي تولد الأمراض النفسية، ومع أن هذا النوع من المرض لا يقل خطورة وأثراً على الإنسان من الأمراض الجسدية، إلا أن الكثير منا لا يوليه الاهتمام الذي يستحق ولا يكترث به كما هو الحال حيال المرض العضوي الملموس، الذي ربما يكون منشأه ومبتدأه حزناً أو اكتئاباً أو قلقاً، فها هو يعقوب عليه السلام {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ}، وقس على ذلك حال شريحة من المرضى الذين قد يوصلهم وضعهم النفسي حافة الموت لا سمح الله.
حتى أولئك الذين يعترفون بتلبسهم هذا الداء (المرض النفسي) ربما لا يبادرون في أخذ العلاج اللازم له، وقد يجتهدون في معالجة أنفسهم فيزداد حالهم سوءاً لا سمح الله، وأخطر ما يكون على من أصيب بحزن أو اكتئاب أو صراع نفسي داخلي السكوت عنه وكتم ما يلم به وعدم البوح لمن يثق به والميل للعزلة والتلحف بالصمت، وغاب عن هذا المصاب أن هذه الأمراض قد ينشأ عنها صداع دائم أو قولون عصبي أو قرحة أو ضعف جسدي عام، وهو ما يسمى في علم النفس (الاضطرابات السيكوسوماتية)، ولذلك ينصح المختصون بالفضفضة التي تسمى علمياً بـ(التنفيس الانفعالي) فهي تخفف من حدة التوتر وشدة القلق وتسكن كثيراً من الأمراض النفسية وتزيل الشحن النفسية في الإنسان. ويرى الكثير من المستشارين الاجتماعيين والاختصاصيين النفسيين بأن هذه الفضفضة نصف العلاج النفسي لدى شريحة عريضة من المرضى المتعبين نفسياً أو من يمرون بظروف الحياة المختلفة.
وليس للفضفضة صورة واحدة جامدة، وأعلاها قدراً وأشرفها منزلة الاتصال بالله عز وجل والإفضاء له سبحانه، وهناك من يفرغ همومه المكبوتة بممارسة الرياضة أو غيرها من هواياته المحببة لنفسه، وآخر يفضفض بالكتابة فيدون أحزانه وأوجاعه على الورق، وهكذا، ومن أشهر الفضفضات وأنجعها بعد اللجوء إلى الله الفضفضة إلى من تثق به وتطمئن إليه، ولعل في قول الله عز وجل وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ دلالة أبعد من الإفضاء الجسدي بين شريكي الحياة، وكأن الزواج علاج نفسي من خلال وجود رفيق درب تفضي له بالهموم وتسر له بالألم وتشتركان بالآمال، وهذا ما نجده تطبيقاً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته منذ ليلة مجيء جبريل عليه السلام له وهو في الغار وهلعه وإسراعه إلى زوجه خديجة رضي الله عنها وحتى لحظة مفارقته الدنيا وهو في حجرة زوجه عائشة رضي الله عنهما، وقل كذلك عن إفضاء زوجاته رضي الله عنهن جميعاً له عليه الصلاة والسلام، وهو الأكثر طبعاً، والحال يندرج على جنس النساء في كل زمان ومكان وحال، يقول الطبيب النفسي جون غراي في كتابه الشهير (النساء من الزهرة والرجال من المريخ): (إن المرأة عندما تشتكي لزوجها عما يضايقها فهي لا تريد حلولاً لكنها بحاجة لإنصات واهتمام، لذلك فالفضفضة أو البوح بالمشكلات ليس نوعاً من الثرثرة لكنها إحدى طرق العلاج النفسي التي تقضي على الكبت والمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، والتي من شأنها أيضاً تخليصه من الشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقته)، ولا يعني ذلك أن الفضفضة مقتصرة على شريكة الحياة بل تتسع كثيراً حسب المعايير التي يضعها الإنسان لنفسه، الشرط الأساس في الشخصية التي تتم الفضفضة إليها أن تتسم بالأمانة والصدق وتمتلك شيئاً من الحكمة والخبرة، بالإضافة إلى أن يكون هذا الشخص المفضى له بالسر مستمعاً جيداً وتشعر معه بالطمأنينة والأمان.
دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.