علي الصحن
من خلال المتابعة وحديث المجالس والرأي الآخر، ضَعُفَ أثر وتأثير البرامج الرياضية، ولم تعد كما كانت في السابق، من حيث السبق في الخبر، والانفراد بالمعلومة، وتقديم حوار ثري مختلف، والقدرة على تشكيل الرأي العام، وصناعة محتوى يكون محط اهتمام وانتظار الجميع.
هذا الرأي ليس وليد اليوم فقط، وليس رأياً فردياً قط، كثيرون يؤكدون تراجع مستوى معظم البرامج، وأنها لم تعد تستهويهم ومحط متابعتهم، وقد قلت في هذه الزاوية قبل عامين إن «مستوى البرامج الرياضية المشاهدة في تراجع مستمر، معظم هذه البرامج لم تعد وسيلة بناء، بل أصبحت أداة لنشر التعصب وزيادة وتيرته في الشارع الرياضي، ومن يتصدرون هذه البرامج أصبحوا مجرد محامين عن أنديتهم وعن قضاياها، فيظهرون تناقضاً مخجلاً في الرأي، وتضليلاً للمعلومة، فما كان واجباً بالأمس أصبح مستحيلاً اليوم، وما كان من وجهة نظرهم سهلاً صار في قمة الصعوبة، واللاعب الذي يعدونه عادياً يتحول إلى نجم النجوم، وهذا كله لا يهم من وجهة نظرهم، فالمهم أن يقول رأيه، وإن ضعفت الحجة وخالفت المنطق، لذا فقد انفض الكثير من المشاهدين عن هذه البرامج، وأصبحت المقاطع المتداولة في منصات التواصل الاجتماعي -إما لغرابتها أو تناقضاتها أو مخالفة ما دار فيها للواقع- هي ما يحظى بالمشاهدة والتعليق أو تركيب مقاطع تكشف التناقضات التي لا تنتهي في تلك البرامج».
حاول البعض تقديم شيء مختلف والاستفادة من منصات أخرى غير التلفزيون التقليدي لتقديم محتواه وجذب المشاهد له، لكنه لم يتقدم أي خطوة للأمام، ولم يستطع أن يحقق أرقام مشاهدات جيدة على الأقل وليس منافسة كما يريد، فترك الساحة بحثاً عن وسيلة أخرى.
من أسباب عدم قدرة البرامج على جذب المشاهدين: (ضعف مستوى الإعداد والتقديم وإدارة الحوار - ضعف المحتوى وعدم وجود موضوع مخصص للمناقشة واختيار ضيوف متخصصين وأكفاء للحديث عنه - تكرار الضيوف - اصطناع الإثارة والجدل ورفع الصوت عند الاختلاف - تكرار الحديث عن مواضيع معينة أو عقد مقارنات أكل عليها الدهر وشرب - عدم منح المشاهد فرصة المشاركة في صناعة المحتوى وتقديم الرأي - تقديم ضيوف غير مؤهلين ولا معروفين وتصديرهم على أنهم إعلاميون رياضيون)، كما أن المشاهد يمسي على برامج يتحدث فيها الضيوف عن كل شيء.. عن قانون التحكيم، وعن القانون الرياضي، وعن إصابات الملاعب، وعن تكتيكات المدربين، وعن الحكام العالمين وقراراتهم، وعن التقنيات المتطورة، وعن قرارات الفيفا، وخفايا محكمة الكأس، والحوكمة، والإدارة المالية للأندية، وغيرها من القضايا التي تحتاج إلى متخصصين مؤهلين للخوض فيها وتشريحها للمشاهد.
اختتمت منافسات دورة الألعاب السعودية، وبعد أيام تنطلق منافسات مونديال 2022، فهل قدمت البرامج الرياضية ما يليق بهذه الأحداث الرياضية الكبرى، ودعك هنا من تقديم حوارات مكررة ومحاولة إبراز أسماء على حساب أخرى، وتقديم أرقام يعرفها الجميع، ولقطات يمكن مشاهدتها من خلال أيٍ من وسائل التواصل الاجتماعي.
أعتقد أن الفرصة ما زالت متاحة أمام البرامج الرياضية للنجاح، ولكن ذلك لن يتحقق إلا عندما تعمل على مواكبة الأحداث، واختيار ضيوف متخصصين للحديث عن الحدث، فللقضايا القانونية أهلها، وللمسائل المالية أهلها، وللأمور الفنية من يستطيع أن يقنع المشاهد بما يقول، أما مسألة الضيوف الحصريين الذين يرددون أقوالهم كل يوم فلن تضيف شيئاً، خاصة أولئك «الذين لم يمارسوا العمل الإعلامي على أصوله، ولم يتدرجوا فيه، ولم يعرفوا سياسيات النشر وما يصح فيه وما لا يصح، ولم يجربوا أن تمر موادهم الإعلامية على (الديسك) فيفرز غثه من سمينه، ويفرق حقه عن باطله، ويقدمه للمتلقي في أبرز صورة، كما لم يمروا يوماً على البرامج المشاهدة (الممنتجة) التي تُراجع وتعدل ويقص منها حتى تكون مناسبة للجميع».