رمضان جريدي العنزي
الصحيح عكس الباطل، والخط المستقيم عكس الخط الأعوج، والممتد عكس الملتوي، والمسار القويم يسلكه الإنسان السوي، والصدق عكس الكذب، والفارق بين الصادق والكاذب، كبير ومهول، كالفرق بين الظلمة والنهار، والهداية والضلال، والثلج واللهب، الأوروبيون يحذرون أطفالهم من الكذب بمقولة (من يكذب يكبر أنفه)، كون الكذب آفة ذميمة، وخصلة وخيمة، وسلوك سيء، والكذاب لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه ولا ينظر إليه، والكذاب لديه مهارة عالية في الطرح والادعاء، والكذاب تسقط هيبته عند الناس، وتذهب محبته لديهم، وينتهي عندهم احترامه وتقديره، كونه ساذجًا متلونًا ومخادعًا، يزيف الحقائق، ويغير الوقائع، لهذا فالناس تفر منه كما يفر الصحيح من الأجرب، كون وعيه مفقودًا، وجهله طافخًا، يصاحب إبليس، ويعاشر ذريته، ويعيش في غيبوبة، وهو مثل الخفاش لا يعيش سوى في الكهوف المظلمة، يكره الضوء، ويحب العتمة، إن تفوه لا يتفوه إلا بكذب، وإن نطق لا ينطق إلا بكذب، وإن سرد لا يسرد إلا بكذب، لا يفكر بالصدق والحقيقة، ولا يعمل من أجل الصدق والحقيقة، لا يعيش الصفاء ولا الوئام ولا الوضوح، لا مع نفسه ولا مع الآخرين، يسقط لسانه، ويكذب في حديثه، لا يستريح ولا يهدأ له بال ولا تدوم له حال إن لم يكذب ويلفق. إن الكذب من أشرس الأمراض الأخلاقية والسلوكية، يقوض الأعمال، ويمحق الأحور، ويذهب بالحسنات، ويعظم الذنوب، ويسقط المرء من أعين الناس، والكذاب يرفض الحق، ويحتقر الصدق، مريض وقاسي القلب، فاسد الروح، سم ناقع، ولون فاقع، إن جلس كذب، وإن مشى كذب، وإن عمل كذب، وإن عاشر الناس كذب، يهدر وقته في اصطناع الكذب، يرسم الكذبة بدقة، ويتفوق فيها، يحرف ويدعي، ويخلق الروايات والأحداث، ويصنع لنفسه البطولات المزيفة، والادعاءات الباطلة، الكذب عنده يكبر ويتعاظم، ويسرف فيه ويبذر، ينكر الحق ولا يتحرج في ذلك. إن الكذب كغيره من المعاصي، تستوحش منه النفس الراضية المطمئنة، كونه من أخطر الرذائل، ومن أعظم الجرائم، وهو داء خطير، ما أصاب إنسان إلا أتى عليه وقضى، قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }، وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)، والكذب محرم بالكتاب والسنة والإجماع، لما فيه من أضرار وشرور ومفاسد، ولكون الكذب عمل قبيح، وفعلميم، فقد توعد الله الكاذب أن يعجل له العقوبة في الدنيا فيصاب الكاذب بالخسارة وعدم النجاح والسداد في أموره، ويوم القيامة ترى وجهه أسود لا يسر الناظرين، قال صالح بن عبدالقدوس:
واختر صديقك واصطفيه تفاخرًا
إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحباً
إن الكذوب لبئس خلاً يصحب
إن على الإنسان السوي أن يتحلى بالصدق دائماً في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته، لأنه منجاة، ومفتاح لسعة الرزق والنجاح والفلاح، وأن يبتعد عن الكذب على الوجه المطلق لأنه شر وضرر وجريمة كبرى ومفسدة.