عطية محمد عطية عقيلان
أصبح هناك سباق محموم للحصول على الشهرة والوصول إلى «الترند» وانتشار ما توثقه أو تقوله، حتى ولو كان كلاماً أو فعلاً بلا معنى، المشكلة هو دخول أصحاب الشهادات من أطباء ومستشاري أسرة ومثقفين على هذا الخط، من خلال التعليق أو الطرح الذي يحقق سرعة الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الناس، مع مساهمة العامة بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية على تداوله والمساهمة في نشره.
وصار يصلنا العديد من الآراء الشاذة المعتمدة على دراسات من مصادر «يقولون» و»كيس بيديا»، ولم يقتصر ذلك على طرح الآراء أو الأقوال، بل تعداه البعض إلى تصوير ما يحصل معه في العمل، ويعرض ما يواجهه من عملائه، سواء كانوا أطباء أو صيادلة أو بائعين أو سائقي أجرة، المهم الجذب والبحث عن الترند، ورغم وجود أنظمة وقوانين تتطور، لوضع حد لهؤلاء في بث الادعاءات الكاذبة أو الاكتشافات المزيفة أو طرق العلاج الضارة على أرض الواقع، ولكنهم دوماً يطورون من أساليبهم لتجنب الوقوع في المخالفات، وما شجع على ذلك، هو الشهرة السريعة التي يحققها صاحب التغريدة أو الفيديو، حتى ولو كان متعلماً وطبيباً، فلم يضع المهنية أو الضرر الذي ينشره على الناس.
وقد يكون مفهوماً بشكل عام بحث البعض من الأميين ومحدودي الثقافة عن هذه الشهرة، وافتعال مقالب وسلوكيات وردات فعل من باب «صورني وأنا ما أدري»، ولكنها مستهجنة من حملة الشهادات والذين يعرضون ما يقومون به من عمل، كالأطباء والمدرسين والإعلاميين.. إلخ، ونشر هذه الإنجازات على أنها تفرد رغم أنه من طبيعة عمله، ولكن الضجيج الذي يحدثونه يذكرونك بما تفعله الدجاجة، يقول المفكر مارك توين «الضوضاء لا تثبت أي شيء، الدجاجة التي لم تضع إلا بيضة، تصرخ وكأنها وضعت مذنباً»، وهذه رسالة لكل من يعتقد أن ما يقدمه ويجذب مئات الآلآف أو ملايين المتابعين، أن لا تغتر بذلك وبأعدادهم، ولتعرف أن أكثر شخص متابع على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم، هي الراقصة الأمريكية وعمرها 18 سنة، وكل ما تقدمه مقاطع رقص، ليكون عدد متابعيها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي أكثر من 136 مليون متابع، ومئات الملايين من الإعجاب بما تقدمه, كذلك ما قام به الدكتور دانيال أرنووف، جراح التجميل في أستراليا حيث كان ينشر عملياته على التيك توك وبلغ عدد متابعيه 13 مليوناً، ليتم وقفه عن إجراء العمليات وحذف حسابه لخطأ ما يقوم به، وفي واقعنا المحلي نشاهد بعض المحامين أو الأطباء أو المحليين في مختلف المهن يقومون بطرح «شعبوي» لجذب المتابعين وزيادتهم، خلافاً للحقيقة العلمية أو الواقع، ومن ثم عند مساءلتهم يقولون «كنا نمزح» وكأن صحة الناس وقضاياهم وحياتهم قابلة للمزح، مع مخالفة بعضهم لخطأ ما قدموه.
لذا عزيزي القارئ، لا نغتر بحصد أكبر عدد من المتابعين، وهي ليست دليلاً على جودة وصحة ما تقدمه، بل قد تكون التفاهات أو السخافات أو الشذوذ في القول هي ما جذبت الناس لك، إضافة إلى ما يعرف «متابعين البيض» وهي شراء متابعين وهميين، المهم الرسالة لكل شخص يؤدي عمله ويتقنه، لا بد أن يعلم أن هذا واجبه، وليجعل عمله يتحدث عنه، فالطبيب الذي يقوم بعمليات جراحية ناجحة، أو الموظف الذي يصور مدى أمانته وحرصه على العمل، والبار بوالديه ويصور ذلك، والمتصدق على الفقراء ويوثق ذلك.. إلخ من الأشياء الطبيعية من الناحية الإنسانية أو الوظيفية التي تحكم قيامه بذلك، ونذكر أنفسنا وهم «بيض وأنت ساكت»، أي أدى ما يفترض بك دون ضجيج وإزعاج.
خاتمة: منذ القدم والإنسان يعتد بنفسه سواء من شجاعة أو إقدام أو تميز، وإن كان الواقع عكس ذلك، ولكن وثق هذا الضجيج بالشعر أو القصص المحكية، كأشعار المتنبي أو عروة بن الورد، انتهاءً بما نشاهده على منصات التواصل الاجتماعي من زهو وحديث عن النفس لحد الغرور، يقول الكاتب الفرنسي، الكسندر دوما «لا تعتب على من يكثر التحدث عن نفسه، فإنه غالباً، لا يجيد التحدث في موضوع آخر».