أولى الإسلام عناية فائقة بالتربية الأخلاقية، فالأخلاق هي أساس الدين لقوله -صلى الله عليه وسلم- «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (رواه أحمد)، وقال ابن القيم: «والدين كله خلق فمن زاد في الخُلق زاد في الدين». ولبناء أي مجتمع، لابد من الاهتمام بالتربية الأخلاقية، فهي ضرورة اجتماعية؛ للحفاظ على الروابط الاجتماعية بين الناس، وتقوية الصلات. إذًا لا وجود لأي صلة اجتماعية في غياب الأخلاق، فالتربية بالأخلاق تغرس المحبة والألفة في المجتمع لأن الفرد فيها لا يبحث عن ذاته فقط، وإنما يشارك الآخرين أفراحهم وأحزانهم ويساعدهم على تجاوزها.
كما أن التربية الأخلاقية تحث وتشجع على التعاون، والتعاون يساعد على تمتين أواصر الارتباط بين الناس بعضهم بعضًا، ويتعرفون أكثر على بعضهم، ويتبادلون الخبرات والمهارات.
وتنبع أهمية التربية الأخلاقية في تكوين الوعي بوحدة الحياة الاجتماعية، فعندما نمعن النظر في عمق الحياة الاجتماعية ومدى ما تتأثر به هذه الحياة من أعمال الأفراد الخيرة أو الشريرة عندما نمعن النظر في هذا يحق لنا أن نشبه تلك الحياة بجسم واحد.
فالأخلاق الحميدة تؤدي إلى وجود مجتمع متماسك ومترابط قويم البنيان وراسخ القيم وراقي في التعامل، والسبيل إلى ذلك التربية على الأسس الأخلاقية الصحيحة تؤدي إلى نشأة مجتمع قويم تقل فيه مظاهر الانحراف والفساد، وتُسهم في قوّة البنية الداخلية للمجتمع، والحدّ من حدوث المشكلات المجتمعية، كما أنّها تقلل من الجرائم وغيرها في المجتمع لأنّها بمنزلة رادع للإنسان، وهي اللبنة الأساسية التي ترتكز عليها المثل العليا للوصول إلى الأمن والأمان الذي تنشده المجتمعات، لأن انعدام الأخلاق في المجتمع يعني دماره وتحوّله إلى غابة لا يوجد فيها أي رادع أو قانون.
تعمل على بناء روابط الأمان والثقة في المجتمع، فيشعر الفرد بأنّه آمنٌ على أمواله ونفسه وأملاكه وأراضيه، ويشعر بينه وبين نفسه بالثقة بكلّ من حوله فيأمن غدرهم ومكرهم لأنّه يعلم أنّ الأخلاق تمنع الغدر والخيانة والظلم، فيشعر الفرد الذي يعيش في مجتمعٍ مسلحٍ بالأخلاق أنّ حياته آمنة وليس فيها ما يدعو للخوف ما دام ينتمي لمجتمع تسوده الأخلاق، كذلك التربية الأخلاقية تعمل على زيادة الكفاءة في العمل، لأن الأخلاق تجعل الفرد يتخلّص من كلّ العادات السيئة التي تمنع تطوّر العمل، لأنّها تمنع صاحبها عن الرشوة والكذب والتزوير، وتزيد من الإنتاجية، وتدعو إلى إتقان العمل.
إن دور تربية الأبناء على الأخلاق لا يقتصر على بناء المجتمع المحكم المتقدم، بل أيضًا المساهمة في بناء مجتمع سعيد، فالتربية الأخلاقية هي الأساس القوي الذي يصح أن يعتمد عليه في إسعاد الشعوب، لأن لها أثرًا كبيرًا في قلوب الأطفال، فهي تربية سداها ولحمتها الإخلاص والثقة والحب الصحيح المتبادل بين الأطفال وأسرتهم ومجتمعهم، فسعادة البلاد ليست بوفرة إيرادها ولا بقوة حصونها ولا بجمال مبانيها، وإنما سعادتها بعدد المهذبين من أبنائها وبعدد الأفراد ذوي التربية والأخلاق فيها.
ولهذا فهناك أهمية لوضع الأسس الأخلاقية الصحيحة لبناء الفرد من الناحية (الجسمية والروحية والعقلية والنفسية)، فكل هذه الحقائق الأخلاقية يجب إدخالها في وعي الأبناء وإقناعهم بها وسوقهم إلى السلوك بموجبها لتتكون العادة الصالحة عندهم مع تكون النظرة السليمة إلى الحياة الاجتماعية.
** **
- محاضر في جامعة الباحة