م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. عمَّان مدينة بُنيت على سبعة جبال.. مصدر اسمها التاريخي هو (عمون) وكانت عاصمة دولة (العمونيون) التي قامت قبل سبعة آلاف سنة.. ثم سميت في عصر الرومان (فيلادلفيا).. وهي مدينة رغم تضاريسها الصعبة، وموقعها في منطقة جغرافية ملتهبة، ووجود أعداد هائلة من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين الذين عانوا من الحروب والاحتلال، إلا أنها مدينة وادعة مسالمة هادئة.. حيث تمتاز بأنها نقية الهواء، نظيفة الشوارع، جميلة المباني، وبالذات بيوتها الحجرية البيضاء.. يصحب كل ذلك خدمات سياحية ممتازة كأقل وصف يمكن أن يمنح لها.
2. أهل الأردن يقولون (الأردن) بلد التضاريس الصعبة والظروف الصعبة، فبحرها (مَيِّت) وطعامها (مَنْسَف) وخليجها (عقبة).. وبالتالي فلا تعجب إذا وجدت الجد والصرامة في أهلها، ولا تنتظر العفوية والرقة منهم، على حسب تعبير أحد أبنائها.. والغريب أن هذه السمات التي يرونها في أنفسهم لم أجدها، فقد وجدت الأدب في التعامل، والترحيب في الضيافة، والجودة في الخدمة، والتنوّع في المعروض من مقاهٍ ومطاعم.. أما الضار عند زيارة عمَّان فهو أنك حتماً ستأكل طناً من الحلويات وبالذات الكنافة، لذلك لا أنصح مرضى السكري بزيارتها.
3. في الأردن مناطق سياحية عالمية المستوى بمفرادتها.. فالبحر الميت مَعْلَم جغرافي فريد على الكرة الأرضية لا بد لكل أحد أن يزوره.. فملوحته العالية جداً وتركيز المعادن في مكونات مائه أبادت كل الكائنات الحيَّة التي تصاحب الماء من سمك أو طحالب أو شعاب مرجانية.. وجعلت من أمر السباحة فيه متعة خاصة، فهو يتيح لك أن تطفو بلا جهد أو مشقة حتى لو لم تكن تعرف السباحة مثلي.
4. للتاريخ في الأردن حضور رائد، فعمَّان نفسها تعد من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان حتى اليوم.. ثم هناك مدينة (البتراء)، وهي عاصمة العرب الأنباط، وهي مدينة منحوتة بالكامل من الصخر قبل ألفي عام.. أيضاً مدينة (جرش) القريبة من عمَّان، والتي تعد من أكثر المدن الرومانية المُحَافظ عليها في العالم (خارج روما).. فمعالمها من أقواس وشوارع مرصوفة ومبانٍ وميادين سباق ومسارح وبيوت سكن لا زالت قائمة.. وهي مدينة بُنيت منذ العصر الحجري وجددها الرومان في القرن الثالث الميلادي.. أما (مأدبا) فهي مدينة ملاصقة لعمَّان.. أسسها المؤابيون في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.. وتضم عدداً من الكنائس التاريخية، وتعد مقصداً للمتدينين المسيحيين، وقد ذُكِرَتْ في الإنجيل لكنها تعرضت للدمار عام (749م)، وأعادت القبائل العربية المسيحية بناءها وإحياءها.. والأصل في تسميتها من اللغة الآرامية وتعني (مياه الفاكهة).
5. عمَّان اليوم وهي تعتلي سبعة جبال، كل جبل فيها يحكي نوعاً من الحياة والثقافة والفنون.. (جبل عمَّان) مثلاً يزخر بمراكز الفنون والآداب والعلوم، وكلها قامت بجهد مجتمعي بحت يدل على مجتمع متمدن واعٍ ومثقف.. وكواحد من العاملين في قطاع النشر رأيت القفزة التي تحققت لقطاع النشر في الأردن وأدركت منها عظم هذا المجتمع ورشاد حكومته، حيث جَنَّبته المصائب التي أحاقت بكل المجتمعات المحيطة به من الشرق والشمال والغرب، حتى أصبح الملجأ والملاذ الآمن لبعض أشقائه العرب.. الذي أكتووا بنار الحرب والأزمات والتهجير القسري.