د.شريف بن محمد الأتربي
جاء فيروس كوفيد 19 لينسف كافة القواعد والأعراف التي عرفتها البشرية لمئات السنين، ويعيد تشكيل الحياة الاجتماعية بما يشمله مفهوم الكلمة من اتساع، ويعيد أيضاً تشكيل سوق العمل وآليات الانخراط فيه، ويؤطر لحقبة جديدة من أساليب تقييم الأداء لكافة شاغلي الوظائف، سواء الإدارية أو المهارية.
تعد العملية التعليمية واحدة من أهم جوانب الحياة الاجتماعية والتي تأثرت تأثراً كبيراً بهذا الفيروس، حيث لجاءت كثير من الدول إلى إيقاف العملية التعليمية تمام، ومنع الطلبة من الذهاب إلى المؤسسات التعليمية، فيما قامت دول أخرى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية باستثمار البنية التحتية القوية لها وتوظيف تقنيات التعليم من استكمال العملية التعليمية عن طريق الفصول أو المدارس الافتراضية، وقد صاحب ذلك تغير نظرة القائمين على التعليم في هذه الدول نحو آليات تقييم الطلبة والمعلمين، فاستحدثت آليات جديدة بمحددات ومعايير تتفق مع هذه الحقبة.
عاد الطلبة إلى قواعدهم سالمين، وفتحت أبواب كافة المؤسسات التعليمية على مصراعيها لهم، عادوا إلى صفوفهم وفصولهم وقاعتهم، ولكن هذه العودة جاءت مختلفة لكل أعضاء العملية التعليمية، سواء من ناحية المقررات الدراسية، أو نظام التعليم، وحتى التقييم أصبح يحتاج إلى تطوير وتغيير ليتفق مع الحقبة الجديدة من الحياة والمؤرخة بما بعد كوفيد19.
يعد المعلم العضو الأبرز في المنظومة التعليمية، بل هو يأتي في منتصف جميع الدوائر المشمولة لها، فهو محاط بالدائرة الأولى وهم الطلاب، ثم الدائرة الثانية وتشمل زملاء العمل، ثم الدائرة الثالثة وتشمل المجتمع المدرسي ويشمل مدير المدرسة والكادر الإداري، ثم الدائرة الرابعة وتشمل الموجه التربوي وإدارة التعليم، والدائرة الخامسة وتشمل المجتمع بشكل عام وخاصة أولياء الأمور، وأخير الدائرة السادسة وتشمل المجتمع الخارجي من المؤسسات والهيئات والمؤتمرات المهتمة بالتعليم.
وحتى فترة قريبة كان تقييم المعلم يتم بناء على استمارة أداء يتم تعبئتها من قبل مدير المدرسة، وأخرى يتم تعبئتها من قبل المشرف التربوي، حيث كانت بنود الاستمارة تشمل عددًا من الفقرات تتناول أداء المعلم تربويا داخل الفصل، وسلوكيا داخل وخارج الفصل، بحيث يكون تقدير المعلم في التقييم هو متوسط مجموع استمارتي المدير والمشرف التربوي، وكانت النتائج غالبا ما تصل إلى متوسط 90 % لكافة المعلمين في كافة المناطق والمحافظات.
وحتى يكون التقييم منصفا من وجهة نظري، ينبغي أن ننظر للدوائر الست التي يقف في منتصفها المعلم ومدى تأثيره وتأثره بها، فعلى سبيل المثال الدائرة الأولى والتي تشمل طلابه، يجب أن يكون التقييم فيها عادلاً، فكما يتم تقييم الطالب من قبل معلمه، يجب أن يكون هناك تقييما للمعلم من قبل طلابه أيضا، ولكن هذا التقييم يجب أن يكون بنسبة محددة تفصل بين حصوله على مستوى أداء ممتاز، وممتاز مرتفع، وبحيث لا تكسر عملية التقييم هيبة المعلم لدى طلابه، ويمكن استخدام الاستبانات أو قائمة الملاحظة.
أما عمل المعلم نفسه فيتم تقييمه من قبل دخوله داخل الفصل، سواء بالتزامه بالحضور مبكرا والهندام والمظهر النظيف، والتهيئة للدرس، وتطبيق الاستراتيجيات، مشاركة الطلبة لأهداف التعلم، والتأكد من تحقيق الأهداف، والقياس السابق والجاري واللاحق، ونظافة وترتيب البيئة الصفية ... إلخ من العوامل التي تؤثر في التحصيل الدراسي.
والدائرة الثانية، وهي تشمل الزملاء في العمل، وهي من أهم الدوائر التي تساعد المعلم على تحقيق أهداف العملية التعليمية، وأنا لا أقصد هنا علاقات الزمالة ولا الصداقة بين المعلمين، ولكني أشير إلى عمليات التسليم والتسلم بين المعلمين وبعضهم البعض لمعلومات الطلبة المنتقلين للصفوف الأعلى أو بين الفصول، وكذلك تعاون معلمي الفصل الواحد في دعم عملية التعلم لدى الطلاب من خلال تكاتف جهود معلمي هذا الفصل لتقصي المشكلات داخل الفصل بشكل عام، أو المشكلات الفردية لبعض الطلبة والعمل على حلها بشكل نهائي بحيث لا تؤثر على سير العملية التعليمية داخل الفصل.
هذا إلى جانب دور وأهمية تبادل المعرفة بين المعلمين وبعضهم البعض، سواء على مستوى التخصص الواحد أو على مستوى المدرسة نفسها، مما يعزز قيمة المعرفة العلمية والتقنية لدى المعلمين، وبحيث يكون مستوى أداء المعلمين داخل المدرسة متقارب تقريبا. والدائرة الثالثة، وهي دائرة المجتمع المدرسي وتشمل مدير المدرسة والكادر الإداري، وتمثل هذه الدائرة دائرة التعاون الإداري لضبط الأداء داخل المدرسة ككل، سواء من ناحية تعاون المعلم في تسجيل حضور وغياب الطلاب، وفي تسجيل السلوكيات الإيجابية قبل السلبية - سبق أن أشرت إلى ذلك في مقال سابق حيث لا يوجد سوى لائحة السلوك وكلها عقاب فقط لا يوجد ثواب ولا مكافأة- وفي حضور حصص الانتظار، والانتظام في المناوبات وأخذها بروح الجدية، والمشاركة في الأنشطة الرياضية والأدبية والاجتماعية.
الدائرة الرابعة وتشمل الموجه التربوي وإدارة التعليم، وهذه الدائرة يشوبها الحذر دائما، فالمشرف التربوي غالباً لا يواجه المعلم سوى مرة أو مرتين في العام، وعلى أساس هذه الزيارة يتم تقييم 50 % من عمل المعلم، وينعكس هذا التقييم على متوسط أداء المعلم، وأتذكر حين كنا نعمل في مشروع بوابة المستقبل قبل أكثر من 4 سنوات أننا وضعنا نموذجاً للزيارة الافتراضية للمعلم من قبل المشرف التربوي، وكانت تقوم على أن يتابع المشرف تحضير الحصص الإلكتروني للمعلم والتي تشمل خطة الدرس، والإستراتيجيات المستخدمة، وتفريد التعليم، والوسائل التعليمية، والتقويم والتقييم للطلبة، ومن ثم يقرر المشرف زيارة المعلم لحضور الحصة من خلال نموذج آخر هو نموذج طلب الزيارة الإلكتروني، وهو مشترك بين المشرف والمعلم ومدير المدرسة ومكتب التعليم.
والدائرة الخامسة وتشمل المجتمع بشكل عام وخاصة أولياء الأمور، وهذه الدائرة تمثل الضغط والضبط المجتمعي للأداء، فجميع الطلبة من البنين والبنات غالبا ما ينقلون ما يدور داخل الفصول إلى أولياء أمورهم، أو إخوانهم، مما يعطي انطباعا عما يقدمه المعلمون لطلابهم، وبالتالي يسمح لمجتمع أولياء الأمور بالتدخل مبكرا لحل أية مشكلات قد تكون موجودة أو متوقعة نتيجة أداء المعلم داخل الفصل، لذا فوجود نسبة من تقييم المعلم بين أيديهم يدعم دورهم في العملية التعليمية.
وأخير الدائرة السادسة وتشمل المجتمع الخارجي من المؤسسات والهيئات والمؤتمرات المهتمة بالتعليم، هذه الدائرة مرتبطة بنشاط المعلم وهمته وقدرته على وضع أهداف وغايات محددة لحياته المهنية والتي تنعكس بدورها على علاقاته بالمجتمع الخارجي من المؤسسات والهيئات والمؤتمرات والتي يشارك فيها بخبراته ومعارفه التي تثري الميدان التربوي، وهذه أيضاً يجب أن يكون لها وزن في عملية تقييم المعلم.
إن عملية تقييم أداء المعلمين من خلال الدوائر الستة السابق ذكرها ستحدد بشكل واضح الإطار العام للتقييم، وتؤطر للتقاطعات والتشابكات في العملية التعليمية مما يجعل التقييم أكثر سهولة ومرونةً وتوازناً.