نوف بنت عبدالله الحسين
وأنا في الطريق مع ابني عبدالله، طلب مني أن نسمع أغنية لطلال مداح، جعلته يختار الأغنية نظراً لانشغالي بالقيادة، وإذا بأغنية (يا سر مكتوم)، ورغم جمال الأغنية وصوت الأرض الأخاذ، إلا أنني أبحرت بعيداً في تأمل حياتنا التي أصبحت الأسرار فيها قليلة، وأبسط لحظاتنا مكشوفة للآخرين!
مع وسائل التواصل، ورصد اللحظة المثالية، بات كوب القهوة، وهدية الصديق، والعشاء في مطعم ما، والسفر لرحلة ما، والمناسبات الاجتماعية، مكشوفة تماماً للجميع، ولم يعد محكوراً على مشهور أو مؤثر، بل كلّنا نشارك في كشف اللحظات للآخرين، وكشف المواقف المنوّعة، إلى أن أصبحنا متشابهين في كشفنا من خلال اللقطة واللحظة!
جميل جداً أن نشارك يوميّاتنا المميّزة ولحظاتنا الأثيرة مع الآخرين، لكن ليس بالضرورة أن تكون بشكل يومي وطوال الوقت!
هناك لحظات وأوقات جمالها في عدم البوح بها، في الاحتفاظ بها لأنفسنا دون مشاركة الآخرين، وهناك لحظات روتينية عادية ليس بالضرورة رصدها دوماً، فلا تنقل كل شيء لكل أحد، ولا تكن موجوداً دائماً دون ضرورة.
من الآثار السلبية التي تؤثِّر على العلاقات في السوشال ميديا هو إحداث خلل في العلاقات بالأقارب والأصدقاء والجيران وغيرهم، وخصوصاً إذا كان هناك استعراض لتفاصيل الحياة اليومية على مواقع السوشيال ميديا، فقد تثير حفيظة نفوس بعض الأفراد وتولّد لديهم الغيرة والحسد والضغينة، وفي دراسة اُجريت على عيّنة من الأشخاص تتراوح أعمارهم من 28 إلى 73 من الأشخاص النشطين على السوشيال ميديا وبعد إجراء مقابلات معمّقة معهم تبيّن أنّ 60 % من مستخدمي السوشيال ميديا قد تأثر تقديهم لذاتهم بشكلٍ سلبي، وأنّ 50 % منهم تأثرت علاقاتهم بالآخرين بشكلٍ سلبي. وأشار 80 % منهم أنّهم تعرضوا للخداع في العلاقات بسبب ما يُنشر على السوشيال ميديا.
لذلك لا نشوّه لحظاتنا باستنزافها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولنحتفظ بقدر من الأسرار الجميلة مع الأهل والأصدقاء، فحياتك ملكك وحدك، لا تجعلها مكشوفة لأي أحد، وترنّم بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي وأنت تقول لنفسك (يا سر مكتوم، مخبا حتى عن نفسي).
** **
- مستشار تدريب وتعليم