د. تنيضب الفايدي
يُعرّف اليأس بأنّه الحالة التي يفقد فيها الشّخص الثّقة بإيجابيّة الأحداث الراهنة أو المُستقبليّة، وهذا شيء خطير، إذ تمنع هذه الحالة الشّخص من شحن الطّاقة الذّاتيّة، فبالتالي يسلّم نفسه إلى الأمر بدون أي مقاومة، مع أن الأمل للخروج من تلك المآزق موجود، وهذه القصة لشخصٍ أصابه المرض حتى قال له الأطباء إنه ضيف لعدد من الأيام في هذه الدنيا، لكن القلق لم ينل من صاحبها كثيراً أو قليلاً.
ايرل هاني رجل من مدينة بروكن بو في ولاية نبراسكا، وهو يعاني قرحة في الاثني عشري، تقيحت وتورمت إلى درجة أن أطباء ثلاثة استشارهم المستر هاني، أشاروا عليه بكتابة وصيته وطلبوا إليه ألا يقلق أو ينـزعج لشيء.
ومن جراء هذه النصيحة ترك هاني وظيفة كبيرة كان يشغلها من قبل وتدرّ عليه ربحاً وفيراً، وقبع في بيته ينتظر الموت بين ساعة أو أخرى، وفجأة اتخذ هاني قراراً مدهشاً، خطيراً وغريباً في الوقت نفسه. لقد كان من قبل يتمنى أن يطوف حول العالم، والآن قال: ما دمت سأعيش أمداً قصيراً، فلماذا لا أقوم بهذه الرحلة قبل أن ينتهي بي العمر. وهكذا نظم وصيته، وصفى كل علاقاته مع الآخرين، وحجز لنفسه مكاناً على باخرة فخمة تعبر المحيط إلى أوروبا. وقد انتقى تلك الباخرة لأنه يود أن يستمتع بالرفاهية المطلقة للمرة الأخيرة من حياته. وكان يصحبه في الباخرة تابوت فخم من الآبنوس أنفق على تزيينه وتمتينه ألوف الدولارات. نعم، كان الربان والركاب يعجبون من رجل يشحن تابوته معه.. ولكن هاني لم يكن يبالي بما يسخرون.
وعلى العكس مما أوصاه الأطباء من عدم تناول الطعام الغليظ أو الشراب، فقد كان هاني يشرب على السفينة حتى الثمل، ولسان حاله يقول: هذه آخر فرصة لي.. لأتمتع. وكان يرقص، ويقامر أحياناً، ويكتب بكل ما يفعل إلى أقربائه وواحد من أطبائه الثلاثة.
ولقد طاف هاني حول العالم، وتمتع في «مماته» على رأي الأطباء، أكثر مما فعل في حياته كلها، وأخيراً عاد الرجل إلى بلده في الولايات المتحدة صحيحاً معافى، فاستعاد وظيفته السابقة التي لا يزال يشغلها حتى الآن.
أتراه لو استسلم للقلق لم يفعل شيئاً من هذا؛ لا شك حينذاك أن يكون الهم والكدر قد قتله، وصدق حدس الأطباء، لكنه لم يقلق، وآثر الحياة، فجادت له الحياة. (دع القلق ص23).
وهناك وقائع أخرى لأناس شقّوا طريق النجاح في بحر القلق والاضطراب:
- إن شكسبير شاعر الإنجليز الكبير كان أبوه جزاراً وكانت أمه في عداد الأميات لا تقرأ ولا تكتب إلا بصعوبة.
- وميشل فراداي، العالم الإنجليزي الذي تدين حضارة اليوم لبحوثه في الكهرباء كان أبوه حداداً.
- وقد نشأ بنجامين وست الذي يعد في طليعة كبار الرسامين المعاصرين في بيئة فقيرة، وكان هو في الثامنة من عمره يمسك بالقطط ويلتقط شعر ذيلها، لكي يحصل منه على فرشه يرسم بها.
- وكان «بن جونسون» الكاتب الإنجليزي المعروف في مستهل حياته يعمل بنّاء لقاء أجر ضئيل.
- ولم يكن «نيوتن» ذلك العبقري الذي استكشف قانون الجاذبية إلا ابن فلاّح فقير.
- كان والد «جورج ستيفنسون» مخترع أول قاطرة حداداً، ووالد «أدواردز» العالم الطبيعي الكبير صانع أحذية، ووالد «أندرو جونسون» الذي كان رئيساً للولايات المتحدة خياطاً.
- أراد شاب إنجليزي أن ينتحر بعد أن يئس من شفائه من مرضه العصبي، فأطلق مسدسه على رأسه، وكانت النتيجة أن الرصاصة شفته من مرضه.
- سقط رجل من الطابق الخامس عشر من إحدى ناطحات السحاب، فوقع على شجرة صغيرة فحطمها ولم يصب هو إلا بكسر في إحدى ساقيه وبعض خدوش ورضوض.
- إن الجسم البشري آلة عجيبة، هي بحق أكثر الآلات احتمالاً على وجه الأرض، فكن متفائلاً دائماً ولا تجعل القلق والخوف يستحوذان عليك فيعطلان القوة الكامنة التي زود الله بها جسمك لصيانة هذه الآلة والدفاع عنها.
- ولعل من أسباب نجاح فرانكلين روزفلت، وأيزنهاور، قدرتهما على تصوير آرائهما وعرضها في عبارات واضحة ولهجة غير منفرة. (كيف تكسب الثروة والنجاح ص247).
- لقد كان جون راسكن يضع على مكتبه قطعة من الحجر مكتوباً عليها: «اليوم» ويعني بذلك، إن حياة اليوم، وعمل اليوم هو الذي يجب أداؤه والتفكير فيه، فإذا تم إنجازه على خير ما ينبغي كان يوماً سعيداً.
- يقول الفيلسوف الصيني الشهير لين يوتانغ في كتابه أهمية الحياة: إذ يقول: إن طمأنينة النفس تنبثق من التسليم بأسوأ الفروض، ومرجع ذلك في علم النفس هو أن التسليم يحرر النشاط من قيوده.
ومن علاج اليأس والقلق أن تسامح من يخطئ عليك ويقدم لك الاعتذار على ذلك، فلا يعد التسامح الضعف الشخصي، بل إن التسامح يذهب عنك الهموم والأحزان، وضع أمامك بأنه ليس لديك الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من شخص معين، أو موقف محدد، فإذا غضبت من شخص فلا تهدر طاقتك في الغضب والضيق والحزن، وإنما الأفضل أن تسامح، ولذا نجد بأن صفة التسامح من كمال أخلاق المؤمن، وما ذاك إلا لأنها تجلب السعادة له وتولد المحبة بينهما قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران، فالناس يحبّون الرجل اللين والمسامح، وقال تعالى {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (237) سورة البقرة، وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) سورة النور.. قال ابن حبان رحمه الله: «الاعتذار يُذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويُذهب الصد، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمة والذنوب الكثيرة».
وتاريخنا الإسلامي مليء بقصص التسامح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».. هذه أعظم وثيقة للتسامح أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، حينما ملك أمر من طردوه وآذوه واتهموه باتهامات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وضيقوا الخناق على كل أتباعه ومناصريه، وبرغم كل ذلك لم يفكر رسولنا الكريم في الانتقام أو الثأر منهم أو حتى رد الإساءة بالإساءة، لا والله حاشاه بأبي هو وأمي.. بل عفا عنهم. فماذا حدث!! أدخلوا في دين الله أفواجاً، وأحبّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً لا مثيل له.
وعن أنس بن مالك قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني (عباءة) غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة حتى رأيت صفح عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جذبته (تركت الجذبة علامة على عنق الرسول)، فقال: يا محمد اعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء. رواه البخاري برقم (5738).
سبَّ رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلمَّا فرغ قال: يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى.