«الجزيرة» - الاقتصاد:
في أحدث توقعاته لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سلط صندوق النقد الدولي الضوء على الاتجاهات المتباينة والأثر المتفاوت لارتفاع معدلات التضخم، وقوة الدولار الأمريكي وارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية على مستوردي النفط ومصدري النفط في المنطقة، بينما يؤدي ارتفاع أسعار السلع والوقود إلى زيادة الضغوط المالية على المستوى الإقليمي، تقلصت المساحة المتاحة لمناورات السياسة المالية بعد الوباء. فقد سلط صندوق النقد الدولي الضوء على التقدم المحرز منذ الارتفاع الأخير في أسعار السلع الأساسية في الاستجابة لهذه التحديات، لاسيما الدعم المحدود نسبيًا هذه المرة بعد عدة إصلاحات. ومرة أخرى، يقدم السيناريو الحالي فرصة لمصدري النفط لبناء احتياطيات وتعزيز خطط التنويع الخاصة بهم.
كما شدد صندوق النقد الدولي على ضعف الاقتصاد العالمي وتزايد مخاطر الركود كتهديدات أخرى تواجه البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، علاوة على ذلك، تم تسليط الضوء أيضًا على الصراع الروسي - الأوكراني القائم، وأزمة تكلفة المعيشة بسبب ارتفاع التضخم والتباطؤ الاقتصادي في الصين. كما أكد صندوق النقد الدولي أن ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد السياسة المالية العالمية يمثّل مشكلة اقتصادية كبرى أخرى تواجه دول منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
هذا وأدت الزيادة المنسقة لأسعار الفائدة من قبل معظم البنوك المركزية العالمية من أجل مكافحة التضخم إلى تشديد الأوضاع المالية بشكل أكثر حدة مما كان متوقعاً. ومن المتوقع أن يحد هذا من وصول بعض البلدان في المنطقة إلى أسواق الديون العالمية، وبالتالي تفاقم استجابتها لكبح جماح التضخم.
تظل توقعات صندوق النقد الدولي لنمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون تغيير من توقعات شهر أبريل-2022 عند نسبة 5 في المائة في العام 2022 ارتفاعًا من 4.1 في المائة في العام 2021. بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط في المنطقة، فإن الجمع بين أسعار النفط المرتفعة والنمو الاقتصادي غير النفطي القوي يعوض من تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع أسعار الفائدة. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تستفيد الدول المصدرة للنفط في المنطقة من زيادة التجارة مع أوروبا، حيث تنظر الدول الأوروبية إلى مصدري الطاقة بعيداً عن روسيا لملء الفجوة في واردات الطاقة الناجمة عن انخفاض صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا.
هذا وقد حدد صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول مجلس التعاون الخليجي عند نسبة 6.5 في المائة (+0.1 في المائة زيادة عن توقعات أبريل-2022) في العام 2022 و3.6 في المائة في العام 2023. اضافة الى ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي النفطي بنسبة 10.5 في المائة في العام 2022 و3.6 في المائة في العام 2023. كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ متوسط أسعار النفط العالمية 98.2 دولارًا أمريكيًا للبرميل لعام 2022، أي أعلى بنسبة 41.2 في المائة من متوسط أسعار النفط لعام 2021 .
عوّضت العقوبات المستمرة على صادرات النفط الروسية نتيجة استمرار الصراع الروسي الأوكراني من تأثير انخفاض الطلب على النفط نتيجة التباطؤ في الاقتصاد العالمي. يتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع أسعار النفط لبقية العام 2022 مما يوفر حماية من التضخم والتباطؤ الاقتصادي للدول المصدرة للنفط مثل دول مجلس التعاون الخليجي. ونتيجة لارتفاع الطلب والزيادة المستمرة في إنتاج النفط من قبل دول مجلس التعاون الخليجي حتى أكتوبر-2022، قام صندوق النقد الدولي بزيادة توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي بمقدار 40 نقطة أساس لعام 2022 ليصل إلى 10.5 في المائة والتي من المتوقع أن تنخفض إلى 3.6 في المائة في العام 2023. وعكست المراجعة لعام 2022 ارتفاع متوسط إنتاج النفط الخام في دول مجلس التعاون الخليجي مقابل توقعات صندوق النقد الدولي السابقة. وتتوقع الوكالة أن يزداد إنتاج النفط في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عامي 2022 و2023 ليصل إلى 18.24 مليون برميل يوميًا في العام 2022 ويزداد إلى 18.93 مليون برميل يوميًا في العام 2023 مدفوعًا بشكل أساسي بالمملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. كما من المتوقع أيضًا أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي في قطر من 4.56 مليون برميل يومياً في العام 2021 إلى 4.7 مليون برميل يومياً في العام 2022 ثم ارتفاعًا إضافيًا إلى 4.82 مليون برميل يوميا في العام 2023 .
ومن المتوقع أن تتصدر المملكة العربية السعودية دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الناتج المحلي الإجمالي النفطي، حيث من المتوقع أن يبلغ معدل النمو 13.1 في المائة في العام 2022 تليها الكويت بنمو متوقع قدره 12.4 في المائة. في حين من المتوقع أن تأتي سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة في المرتبة التالية مع نمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 8.5 في المائة و8.1 في المائة، على التوالي.
من حيث الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، من المتوقع أن تسجل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي معدل نمو أبطأ نسبيًا بنسبة 4.0 في المائة في العام 2022 ثم 3.7 في المائة في العام 2023 بعد تعديل صعودي هامشي بمقدار 10 نقاط أساس لكلا العامين. ومن المتوقع أن تتصدر المملكة العربية السعودية مرة أخرى من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنحو 4.2 في المائة في العام 2022، تماشيًا مع التوقعات السابقة، تليها البحرين وقطر والإمارات بمعدل نمو 4.0 في المائة لكلا منهما هذا العام.
الفوائض المالية تعود إلى دول مجلس التعاون الخليجي بعد سبع سنوات.. الكويت تتصدر بفائض 14.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022
على الصعيد المالي، هناك أخبار سارة لمصدري النفط في المنطقة يقودها بشكل أساسي ارتفاع أسعار النفط الخام على مستوى العالم، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق صادرات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فائدة إضافية إجمالية تبلغ حوالي 1 تريليون دولار أمريكي خلال الفترة 2022-2026 .
ويقدّر صندوق النقد الدولي أنه من المتوقع أن تشهد دول مجلس التعاون الخليجي معدل ادخار أعلى بكثير وقد توفر حوالي ثلث عائداتها النفطية. وينعكس ذلك في متوسط فائض الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي والذي يقدر بأرقام مزدوجة بنسبة 16.7 في المائة و13.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022 و2023، على التوالي.
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المتوقع أن يكون الميزان المالي إيجابيًا لأول مرة منذ ثماني سنوات في العام 2022، وإن كان بشكل هامشي عند نسبة 0.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتحول الميزان المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرة أخرى إلى مستوى سلبي عند -0.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023 .
ومن المتوقع أيضًا أن يصبح الميزان المالي في دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيًا بعد سبع سنوات في العام 2022 عند نسبة 7.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يليه 6.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023. وكانت آخر مرة كان فيها الميزان المالي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي إيجابيًا في العام 2014 .
إلى ذلك، لا يزال هناك تباين واسع على مستوى كل دولة خليجية على حده. هذا ومن المتوقع أن تسجل الكويت أكبر فائض مالي في دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام عند 14.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يليها 12.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لقطر. بينما من المتوقع أن تسجل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة فوائض من خانة واحدة تتراوح من 5.5 في المائة إلى 7.7في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022، في حين من المتوقع أن تظل البحرين في المنطقة الحمراء مع عجز مالي يبلغ 4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022. كما من المتوقع أن يستمر الاختلاف في العام 2023 ، حيث من المتوقع أن تسجل البحرين مرة أخرى عجزًا ماليًا أعلى بنسبة 6.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما على الجانب الآخر، من المتوقع أن تتصدر قطر العام المقبل بفائض مالي قدره 16.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تليها الكويت عند 14.1 في المائة والإمارات 4.9 في المائة.
لا يزال التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي تحت السيطرة نتيجة السياسات الاستباقية والدعم
شوهد تضخم مرتفع على مدى عقود في جميع أنحاء العالم ولم تكن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استثناءً، حيث بلغ متوسط التضخم الرئيسي 15.1 في المائة في المنطقة كما في يوليو-2022 . ومن المتوقع أن تظل الأسعار مرتفعة لبقية العام ومن المتوقع أن تبلغ نسبة 12.1 في المائة للعام بأكمله لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثناء السودان، أي بزيادة 110 نقطة أساس عن التوقعات في أبريل-2022 . كما تم تعديل التضخم لعام 2023 بالزيادة بمقدار 260 نقطة أساس ومن المتوقع أن يصل إلى 11.2 في المائة في المتوسط، حيث عكست التعديلات بشكل رئيسي الآثار المتأخرة لارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض أسعار الصرف في بعض الحالات إلى جانب الضغوط التضخمية.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يكون التضخم الأساسي أقل من التضخم الرئيسي، مما يشير إلى تأثير أقل نسبيًا لأسعار المواد الغذائية والطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقابل المتوسطات العالمية، حيث من المتوقع أن يصل معدل التضخم الأساسي إلى 14.3 في المائة في العام 2022 يليه انخفاض طفيف إلى 13.7 في المائة في العام 2023 .
ويعد موسم الحصاد الأفضل في بعض اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودعم المواد الغذائية من الأسباب الرئيسية لانخفاض التضخم الأساسي نسبيًا.
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، من المتوقع أن يكون التضخم الرئيسي أقل بكثير مقارنة بتلك العالمية وكذلك مقارنة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي 3.6 في المائة في العام 2022 و2.6 في المائة في العام 2023 .
كما من المتوقع أن ينخفض التضخم الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ عند نسبة 1.5 في المائة في العام 2022 يليه 2.5 في المائة في العام 2023 .
إلى ذلك، تظهر بيانات التضخم الشهرية الأخيرة الصادرة عن السعودية أظهرت عن زيادة بنسبة 3.1 في المائة في سبتمبر-2022، وهي أعلى زيادة على أساس سنوي منذ يونيو-2021 .
وكانت مجموعات الأغذية والمشروبات والنقل هي الدافع الرئيسي وراء ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين الذي شهد زيادة بنسبة 4.3 في المائة و3.8 في المائة، على التوالي. في حالة الكويت، سجل التضخم ما نسبته 4.1 في المائة خلال أغسطس-2022 مدفوعًا بشكل أساسي بمؤشر أسعار التعليم يليه مؤشر المأكولات والمشروبات.
وقد شهد اتجاه معدل التضخم في الكويت انحسارًا تدريجيًا منذ أبريل-2022 عندما بلغ معدل التضخم الشهري على أساس سنوي 4.7 في المائة مدفوعًا بانخفاضات مجموعة الأغذية والمشروبات والملابس والأحذية. بينما سجل معدل التضخم في قطر أعلى معدل له في تسعة أشهر بعد أن ارتفع بنسبة 6.0 في المائة على أساس سنوي خلال سبتمبر-2022 مدفوعًا بشكل أساسي بقطاع الترفيه والثقافة الذي سجل ارتفاعًا بنسبة 35.6 في المائة على أساس سنوي خلال سبتمبر-2022 ، حيث تستعد الدولة لاستضافة كأس العالم.
انعكاس ارتفاع عائدات النفط وانخفاض الإنفاق نسبيًا على انخفاض أسعار التعادل النفطي على أساس سنوي
أعطت الزيادة في عائدات النفط هذا العام مقارنة بالعام الماضي دفعة كبيرة لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد المالي. فقد أدت الإيرادات المرتفعة نسبيًا مقابل الإنفاق المستمر من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى انخفاض أسعار التعادل النفطي في جميع دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2022، باستثناء الإمارات العربية المتحدة. أما على جانب الإنفاق، ظل سوق المشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي دون تقدم خلال الأرباع القليلة الماضية مع انخفاض حاد في العقود الفصلية الممنوحة خلال الربع الثالث من العام 2022 نتيجة التحديات الاقتصادية العالمية المتصاعدة والمخاوف من ركود وشيك. فقد انخفضت القيمة الإجمالية للعقود الممنوحة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال التسع أشهر الأولى من العام 2022 بنسبة 26.2 في المائة لتصل إلى 53.0 مليار دولار أمريكي، بانخفاض من 71.7 مليار دولار أمريكي في نفس الفترة من العام 2021 .
أما على مستوى كل دولة على حده، باستثناء الكويت والبحرين، فقد شهدت أسعار التعادل النفطي لعام 2022 مراجعة هبوطية لبقية دول مجلس التعاون الخليجي في أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي مقابل توقعاتها في أبريل-2022 .
علاوة على ذلك، مع أسعار النفط الحالية التي تبلغ حوالي 95 دولارًا أمريكيًا للبرميل، فإن البحرين فقط لديها سعر تعادل نفطي أعلى من سعر النفط الحالي عند 127.6.0 دولارًا أمريكيًا للبرميل لعام 2022 .
لا تزال قطر تمتلك أدنى سعر تعادل للنفط هذا العام عند 48.1 دولارًا أمريكيًا للبرميل، تليها الكويت والإمارات عند 56.7 دولارًا أمريكيًا للبرميل و63.9 دولارًا أمريكيًا للبرميل، على التوالي. وبالمقارنة، بلغ متوسط سعر خام برنت الفوري 104.1 دولارًا أمريكيًا للبرميل خلال العام 2022.