د.عبدالله بن موسى الطاير
أغمض عينيك واستعرض ما تعرفه أو تتخيله من كوكبك الذي تعيش عليه، وتخيل كم كان سيكون جميلاً دون بعض البؤر التي تعكر صفوه. ولنبدأ من الشرق؛ اليابان (ثالث اقتصاد عالمي)، وكوريا الجنوبية (عاشر اقتصاد عالمي)، ألا تبدوان مؤهلتين للتصرف باستقلالية؟ وممارسة خياراتهما دون مساعدة صديق؟ نظريا يمكنهما ذلك، وعملياً، فالدولتان خاضعتان للهيمنة الأمريكية، ولأي هيمنة نهاية إذا لم يتدخل عامل ثالث يجعل منها مطلباً متجدداً، والعامل هنا هو كوريا الشمالية والصين، وبدون التخويف بهما لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية صيانة هذا الزواج الكاثوليكي.
الهند التي تمثّل الاقتصاد السادس عالمياً، وثاني أكبر عدد سكان بعد الصين قادرة على النهوض وحدها، وجارتها باكستان -الدولة النووية الإسلامية الوحيدة وذات الكثافة السكانية العالية- عالقتان في جامو وكشمير، ولا يمكن لهما التخلي عن المجهود الحربي لصالح التنمية والبناء والازدهار الاقتصادي، فعليهما أن يبقيا في صراع ييسر الهيمنة على قرارهما في أي وقت شاء المهيمن.
كيف ستكون دول الخليج الثرية، والهلال الخصيب بدون إيران؟ فمنذ 43 عاماً وهذه المنطقة في حالة طوارئ بسبب جار لا يلتزم بأدب الجوار ويشكل تهديداً للأمن والتنمية، وبسبب هذا التهديد المتصل تمكّن المهيمن من استثمار حالة القلق والخوف من جار أخذ على عاتقه تهديد مصالح جيرانه.
على تخوم الشرق الأوسط، تقع إفريقيا؛ تلك الأرض الغنية والبكر التي تكيّف مزاج سكان أوروبا والدول الغنية بقهوتها، ويفترض أن تطعمهم من خيرات أرضها كما تُلبس نساء العالم الذهب والألماس، غير أنها فقيرة مشتتة ودائمة الحاجة. لماذا لا يكون وضعها أفضل مما هي عليه؟ الجواب ببساطة لأن أدوات الهيمنة من عدم استقرار سياسي، وتفشي للإرهاب والفساد تجعلها خائفة متعلقة بالمهيمن.
مولد الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، وأعني القارة العجوز، احتاج إلى وتد يثبت حاجته للحماية لتجديد وتأكيد الهيمنة عليه، ولم يكن ذلك العامل سوى أوكرانيا، التي أثبتت حاجة أوروبا إلى الدعم الأمريكي البريطاني؛ فبعد ثمانية عقود تقريباً من نهاية الحرب العالمية الثانية، كان لا بد من تذكير الاتحاد الأوربي بحقيقة أنه غير قادر على الاستقلال بذاته، وأنه لا يزال بحاجة إلى حماية تاج الهيمنة، ولأن الهيمنة خارجية دائماً فقد غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي لتعود إلى الاتحاد بيد عليا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وكما تلعب هذه الأزمة دوراً في تأكيد تبعية أوروبا، فإنها تؤدي دوراً مزدوجاً في تعطيل حركة روسيا التي كانت تتجه بقوة إلى المنافسة.
لا كوريا الشمالية، ولا جامو وكشمير، ولا أوكرانيا، ولا الإرهاب وجدت أو ستجد حلولاً تحت مظلة الأمم المتحدة. هذا ليس إخفاقاً بريئاً، وإنما متعمد من أجل استمرار الهيمنة وتحييد أية قوة صاعدة تهدد مصالح القطط السمان.
لقد دخل عامل معاصر للهيمنة وهو العامل البيئي، وكما كتب (K.S. Zimmerer)، فإن الإمبريالية البيئية تتخذ «التدابير البيئية للسيطرة السياسية على المناطق والشعوب الإقليمية». ويعدد زمرير أساليب الهيمنة ذات العلاقة بالبيئة التي وظفتها الإمبريالية نتيجة للتوسع الجغرافي والحكم التاريخي للإمبراطوريات، إذ كان الانتشار الجغرافي للكائنات غير الأصلية مصاحبًا للإمبراطوريات الأوروبية مما أدى إلى انتشار الأوبئة والوفيات بين غير الأوروبيين. كما أن الحشائش، والماشية، والحشرات التي أدخلت إلى مجتمعات الضحايا قوَّضت عادات المعيشة الأصلية. وساعدت مخاوف العلماء الإمبراطوريين بشأن ندرة الموارد في توليد وابتكار تدابير تهدف إلى حماية البيئة الحديثة من خلال تنظيمات وصكوك دولية في عالمنا المعاصر، من أجل، الهيمنة الاقتصادية والسياسية على البلدان الفقيرة من قبل القوى والمؤسسات العالمية العظمى
إن الحكم بالخوف لا يُخضع الشعوب فحسب، وإنما يحني قامات الدول الضعيفة لإرادة الدول الأقوى، فمن خلال خلق «حالة الطوارئ في نفوسنا» كما يقول روبن هوقارث، فإن «الخوف يصرف انتباهنا عن الحقائق ذات الصلة التي يجب أن نبني عليها قراراتنا الواعية». ويضيف «تبدأ غريزة القتال أو الهروب على الفور عندما نشعر بالخوف، ولا تترك لنا الوقت للتشكيك في مزاياها. غالبًا ما يؤدي رد الفعل الناتج عن الارتعاش إلى حل قصير المدى يعالج الأعراض فقط. ومع ذلك، فإن نهج: «تصرف أولاً ثم فكر لاحقًا لا يعالج الأسباب الأساسية «، ولذلك فإن أوتاد الخوف المتمثلة في كوريا الشمالية، إسرائيل، إيران، جامو وكشمير، الإرهاب، البيئة يتعزز حضورها مع الوقت، وتلجأ الدول التي بيدها قرار العالم إلى معالجة الأعراض الناجمة عنها بالمهدئات دون مباشرة الأدواء الرئيسة بالعلاج.