صيغة الشمري
حين طرح أوغسطن ( فيلسوف العصور الوسطى) تساؤله حول ما «إذا كانت الأشياء جميلة لأنها تمنح البهجة أو ما إذا كانت تمنح البهجة لأنها جميلة» لم يكن الجمال وقتها عملة رائجة بالشكل الذي نشهده في عصرنا الحديث. ورغم اعتبار الجمال من القيم المطلقة مع الخير والحقيقة والعدل لكن طبيعته ظلت مثار جدل على مر العصور.
والجدل في عصرنا لا يبعد عن ثنائية الجمال والبهجة، فنحن في زمن صناعة الثنائية؛ وهذا ما يعكسه حجم الإنفاق العالمي على عمليات ومستحضرات التجميل الذي يتجاوز الـ 50 ملياراً سنوياً، نصيب العرب منه دون النصف بقليل.
صناعة وصنعة صعدت بالبعض إلى صدارة الاهتمام الإعلامي، نجوماً ومؤثرين «بالمفهوم الدارج» وموجهين لشريحة واسعة من أبنائنا، فسادوا وتسيدوا المشهد العام برأس مال تنخفض قيمته كلما تقدم الزمان، فيما خزائنهم فارغة من رأس مال ذي قيمة ينمو بتراكم الوقت وهو المضمون.
قبل أيام أدهشني رد فعل غاضب ومستنكر حيال صدمة عبر عنها كثيرون بعد ظهور نجمة لبنانية شهيرة بمظهر غير معتاد عن ذاك المطبوع في ذاكرة وعيون جمهورها. فلماذا يلام جمهور يتبع نجمة قدمت وسوقت نفسها كأيقونة للجمال واستثمرت في جمالها لرفع رصيدها المادي والجماهيري على حد سواء؟
الأمر ببساطة أن البضاعة التي عاينها الجمهور قبل أيام ليست كتلك التي اعتادت النجمة الاستعراضية عرضها؛ فيبدو أن مدة صلاحيتها انتهت أو أصابها التلف أو قد يكون «عيب صناعة» يلام عليه طبيب التجميل الخاص بها لكن لا يلام المستهلك.
قد يلام جمهور حياة الفهد إذا انتقد مظهرها أو تأثير الزمان على ملامحها؛ لأن سيدة الشاشة الخليجية ومنذ يومها الأول في مسيرتها الفنية الحافلة قدمت نفسها عبر موهبتها ومهاراتها؛ ومع السنين طورت أدواتها في التمثيل والكتابة والإخراج في الوقت الذي كانت فيه الأخريات يطورن أشكالهن وينشغلن بعمليات التجميل لتزيين بضاعة قاربت مدتها على الانتهاء.
غاية القول؛ سيبقى الجمال قيمة مطلقة حين يكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقيمة العقل والفكر والمعرفة؛ وسيبقى بضاعة قابلة للتلف إن ارتبط ببهجة زائفة وقشرة خاوية ونجومية زائلة.