أحمد بن محمد الشريدي
رحل الأديب الأريب، والكاتب الرزين، والمؤلف المخملي، صاحب الكلمة الرقيقة والرأي الحصيف، الأستاذ القدير عبدالله بن عبدالرحمن الجعيثن الذي يعد علمًا من أعلام الأدب والصحافة السعودية، ومدرسة أدبية مستقلة وماركة إعلامية مسجلة، أثرى بإبداعه الغزير الوسط الثقافي قيمةً، وذوقاً، وتواضعاً، وأدباً، فكان الفقيد الراحل جميلاً في شخصيته الأنيقة وجميلاً في كتاباته، ورائعاً في أفكاره المتزنة، مستقيماً في طرحه، متصالحاً مع نفسه ومع الجميع، وكان نموذجاً حياً ومشرفاً للكاتب الأصيل والمواطن الصالح الغيور على دينه، والمتمسك بمبادئه وقيمه طوال مسيرته المهنية الحافلة بالإنجازات المشرفة، فكان ملتزماً وغير متزمت أو متطرف، بل كان صامدًا ولم يلوث قلمه بما ينافي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، بل كان بلسماً مسالماً ومتصالحة مع نفسه ومع الجميع، ومترفعاً عن كل أنواع الإثارة الصحفية، ومتجنباً المهاترات والتطرف، وبعيداً عن الاصطدامات والصراعات الفكرية، فكان يفكر وينتج ويعطي بهدوء وصمت، ويسخر جل وقته وجهده وطاقته للكتابة والتأليف والإبداع، حتى وهو في أصعب مراحل عمره ومرضه لم يتوقف الراحل عن عطاءاته الدينية والوطنية والإنسانية، فقد كان طاقة متحركة تفيض إنتاجاً وفيراً ومحبة، الأمر الذى جعله نموذجاً مشرفاً، يحتذى به في الاعتدال والوسطية، في الكتابة الصحفية وفي الوسط الثقافي، ومتفرداً بأسلوبه السلس السهل الميسر، ومبدعاً في مفرداته العذبة الطرية، ومتمكناً في توظيفها لخدمة قضايانا الاجتماعية والثقافية، تنوعت بتنوع تجاربه وخبراته، ما بين الهم الاجتماعي والأدب والاقتصاد والاستثمار في الأسهم، من خلال مقالات يومية على مدار الأيام والسنين تنير الحياة وترسم البهجة للقراء إلى جانب مؤلفاته الراقية التي تجاوزت 50 كتاباً، اتسمت بالمزج ببن الجد وخفة الظل والهزل. والأستاذ عبدالله من أوائل من قرأت كتبه ومقالاته في بداية تعلقي بالقراءة وهواية الإعلام، وتعود علاقتي مع أبي أحمد منذ ربع قرن، تحديداً عند بداية الركض في بلاط صاحبة الجلالة، فكان نعم الأب الوقور والأستاذ الداعم والمساند بكلماته الحانية من خلال متابعته الدائمة لنشاطاتي المهنية وكتاباتي الصحفية، فيغمرني بتواضعه الجم ولطفه الوافر بتعليقاته المشجعة من خلال الرسائل أو الاتصالات الهاتفية، التي كانت لها بالغ الأثر في نفسي والمحفزة لبذل المزيد من الجهد والعطاء والإبدا.
إنا على فراقك يا أبا أحمد لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
فهكذا هي سنة الله في خلقه، لا شفاعة في الموت ولا مفر منه، وكلنا راحلون فهادم اللذات لا يعرف مريضاً أو سليماً، فهنيئاً لمن اعتبر واتعظ وصبر واحتسب، وهنيئاً لمن لاقى ربه وقد صلح عمله وهنيئاً لمن رحل عن الدنيا وترك سيرة طيبة مع الجميع ومن الجميع كل من يسمع أو يسرد اسمه يردفها بكلمة (الله يذكره بالخير) فيحظى بالحسنيين خير الدنيا والآخرة ويدرك أن الموت راحة للأتقياء، وموعد في حقهم للقاء.
«المذكور بالخير أبو أحمد» إن القلم يرتجف والعين تدمع ألماً وحزناً وأجد غصة في قلبي عندما هممت أن أكتب كلمات لرثائك، لقد رحلت ورحل معك ذلك الوجه المشرق المتلألئ بالطيب ونور الإيمان وطاعة الرحمن.. لقد رحلت عن الدار الفانية فذرفت الدموع وتوجّع الأهل والأحباب والوسط الإعلامي والثقافي، وكل من عرفك، وقرأ لك، وتعامل معك وقابلك، لأن «الحبابة» كانت علامة بارزة في سيرتك الطيبة ومع الجميع الصغير والكبير، والتعامل الإنساني من سماتك الرائعة، لذلك فقد كانت مساحة احترام الآخرين لك كبيرة وكانت مساحة حبهم في قلبك أكثر وأكبر، ولقد كنت محباً للجميع ومحبوباً من الجميع، ومحبة الناس قبس من محبة الله وفضله، ومن أحبه الله ابتلاه، فهنيئاً لك، فقد كنت محتسباً ومتحملاً معاناة المرض وراضياً بقضاء الله وقدره، وحامداً وشاكراً لله ليل نهار، وصابراً صبراً جميلاً، والصبر باب من أبواب الجنة.
أبو أحمد رحلت من هذه الدنيا وسكنت أعماق قلوبنا مثلاً وقدوة طيبة وذكرى جميلة وستبقى كذلك إلى الأبد بإذن الله.
ولا غرو أن تأتي الحشود من كل حدب وصوب معزية في فقدك وكل ألسنتهم تلهج بالدعاء لك بالرحمة والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، سائلين الله جل في علاه الذي جمعنا بك في دنيا فانية أن يجمعنا بك ووالدينا وذرياتنا وأزواجنا في جنات قطوفها دانية، وأن يسبغ عليك من واسع رحمته ورضوانه، وينزلك منازل الصالحين من عباده، وأن يلهم أسرتك ومحبيك والوطن جميل الصبر ويمنحهم جزيل الأجر.