يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً} سُورة يوسف آية (2).
إن هذه الآية الكريمة تحمل في مضمونها مدلولات عديدة وعظيمة، فالقرآن الكريم قد أنزل على البشر باللُّغة العربية الفصحى، وفي ذلك جُل الاحترام والتقدير للغتنا العظيمة، لغة الضُّاد.
فاللُّغَة العربيَّة تعتبر أقدم لغة حيَّة على وجه الأرض ... إذ يبلغ عمرها الزمني أكثر من ستة عشر قرناً من الزَّمان، فقد عاشت خلالها معززة تفيض بالحياة والشّباب، والإنتاج الهائل في مختلف العلوم والآداب والفنون، ولقد قدمت، ومازالت تقدم - للإنسان نهضة عالميَّة، أضاءت الطريق أمام العقل البشري وانتشلته من مجاهل التّخلف والركود، وذلك بفضل قوَّة وأصالة ما قدمه عمالقة العربيَّة الأوائل من شَعر ونثر، فضلاً عن ذلك فهي اللُّغة الَّتي أنزل اللَّه بها كتابه الكريم على نبيِّه العربيِّ مُحمَّد بن عبدالله صلوات اللَّه وسلامه عليه الذي أرسله الله إلى كافَّة النَّاس من مختلف الألسنة والأجناس.
وتعتبر اللُّغة العربيَّة اللُّغة الرسمية السّادسة في هيئة الأمم المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات إلى جانب اللُّغة الفرنسيَّة، والانجليزية، والروسيَّة، والصينيَّة، والإسبانيَّة، وفي هذا شرف عظيم وتقدير للُّغة العربيَّة وللعرب كافَّة. واللُّغة العربيَّة لغة هامة لأنَّها لغة القرآن الكريم بالإضافة إلى أن غالبية المسلمين في الدُّول غير العربيَّة يتعلمون اللُّغة العربيَّة بعد لغتهم الأصليَّة لأنَّها ضرورية لفهم كتاب اللَّه الكريم ومبادئه وتعاليمه السّمحة.
حيث إن اللُّغة العربيَّة لها مزايا عديدة منها المرادفات الكثيرة التي تساعد العرب على التعبير عما يدور بخواطرهم بتعابير عديدة فالواجب على المربِّين والمرشدين مسؤوليَّة عظيمة تقع على عواتقهم في غرس مبادئ اللغة العربيَّة ومزاياها في نفوس البراعم الناشئة حتى يتمكن الناشئ بسمو لغته، ولا يقلد فئة (ما) ممسوخة تتشدق بالألفاظ الأعجمية، على أنها - وسيلة تحضر وتقدم، إلا أنها تحتل عنواناً عريضاً من التخلف واهتزازاً في الثقة بالنَّفس.
فالكل يدرك تمَّام الإدراك أن اللُّغة العربيَّة الفصحى هي اللبنة الأولى للقومية العربيَّة، وهي الوثاق الَّذي يربط حاضر الأمَّة بماضيها ومستقبلها، والأداة التي يُدَوَّن بها تاريخها، والوسيلة التي عن طريقها تعبر الشّعوب عن فلسفتها وأفكارها وعقيدتها ووجدانياتها.
فالحقيقة يجب أن توضع نصب أعيننا - حيث إن اللُّغة هي أداة الفكر والحسِّ والشُّعور، مادام هناك تطور في الفكر ومساير لموكب الحضارة والمدنية، فاللُّغة تتطور بالقدر الذي يتيح لها التعبير عن الأفكار الجديدة، والحاجات الطبيعيَّة الَّتي يتطلبها العصر، ومن ثمَّ نجد أن اللغة العربيَّة قد تمر بفترات مختلفة ظهر فيها من تعصبوا لها، كما ظهر فيها من نادوا بالتجديد والابتكار باللُّغة حتَّى تعبر عن مظاهر التطور والنمو. فالواجب أن نتابع كل جديد إلى القواعد العامَّة والروابط الأساسية للغة، حتى لا تفسد لغتنا بألفاظ العامَّة وتراكيبهم، ويجب علينا كذلك ألا نغالي في تعريب أو إدخال بعض الألفاظ والمصطلحات الأجنبية على لغتنا، وإنما نأخذ منها بقدر حاجتنا - حتى لا يصيبها مثلما أصاب اللُّغة التركية، والأردية، والمالطية، من اندثار لألفاظها الأصليَّة فالواجب علينا كأبناء اللُّغة العربيَّة أن نحافظ عليها وأن نصونها من منحدر التطور في العصر الحديث سواء من خطر العاميَّة، أو خطَر اللُّغات الأخرى.