محمد سليمان العنقري
ينتظر أن يسجل الاقتصاد الوطني للمملكة أعلى معدل نمو عند حوالي 8،3 بالمائة بين دول مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم رغم الظروف الاقتصادية الدولية الحالية المعقدة التي أثرت بها عوامل عدة كجائحة كورونا وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية حيث ارتفع التضخم عالمياً لمستويات مقلقة بتأثير من استمرار مشاكل سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا نتيجة ارتفاع أسعار الغاز بعد تخفيض الاستيراد من روسيا والتعويض عنه بالغاز الأميريكي والنرويجي إلا أنهم استغلوا حاجة أوروبا الكبيرة للغاز وضاعفوا السعر عليهم بأربعة أضعاف سعره الذي يباع على المصانع في الدولتين, فهذا التضخم المفرط اضطرت معه دول اقتصادية كبرى مثل أميركا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي لرفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة وبنسب عالية مع إيقاف لبرنامج التيسير الكمي الذي أطلق ضمن حزم تحفيزية عديدة لمواجهة تداعيات كورونا, فمن سعر فائدة يقارب الصفر قبل عشرة شهور في أميركا إلى مستويات 4 بالمائة حالياً مع توقع للفيدرالي باستمرار رفعها لمستويات أعلى من التوقعات بالسوق إذا لم يظهر الأثر على التضخم بالتراجع عن مستوياته المرتفعة جداً لديهم والتي تعد الأعلى منذ 40 عاماً.
فما يقوم به الفيدرالي الأميريكي من رفع لأسعار الفائدة ينسحب بالضرورة على بقية دول العالم التي تضطر أغلبها لرفع سعر الفائدة إما لأنها ترتبط عملاتها بالدولار بسعر صرف ثابت فهي لابد أن تواكب رفع سعر الفائدة للمحافظة على مزايا هذا الربط أو حتى لو كانت دول تعوم عملتها فهي لا تريد أيضاً أن يكون الدولار قوياً لدرجة كبيرة أمام عملاتها لأن ذلك يلهب التضخم لديهم بما يفوق قدرتهم على استيعاب تداعياته, فمن يعتقد أن لجم التضخم أمر ستتكفل به السياسات النقدية أو المالية لابد وأن ينظر للعوامل التي أثرت بارتفاع معدلاته فكل قرارات البنوك المركزية للدول الكبرى وعلى رأسها الفيدرالي الأميريكي لن تحقق هدفها كاملاً لأن العامل الجيوسياسي هو الأكثر تأثيراً بالتضخم بالاقتصاد العالمي وهو ما لا يمكنهم التأثير عليه ولذلك يردد المسؤولون بالشأن الاقتصادي لأغلب الدول عبارة ثابتة بكل تصريحاتهم عند إصدار أي قرار أو إجراء لدعم التنمية أو لمكافحة التضخم وهي أنه يوجد «عدم يقين وضبابية بتوجهات الاقتصاد العالمي» ولذلك أصبحت كل دولة تبحث عن طرق أو أدوات غير تقليدية لكي تحقق التوازن باستمرار النمو الاقتصادي حتى وإن كان منخفضاً مع لجم للتضخم وهي معادلة تبدو صعبة المنال لأغلب الدول وهو ما يجعل بالضرورة اتجاه البعض للتضحية بالنمو حتى تحل مشكلة التضخم لديه ولذلك أصبح يتردد كثيراً من قبل حكومات الغرب تحديداً كأميركا وبريطانيا وأوروبا تأثر قطاعات كبرى برفع أسعار الفائدة وعلى رأسها العقار الذي يتوقع له الهبوط بنسب تقارب 30 بالمائة من أسعاره الحالية بحكم انخفاض الإقراض العقاري بدولهم مع رفع أسعار الفائدة والذي أوصل سعر الفائدة للتمويل العقاري بأميركا إلى 7 بالمائة كما تراجعت أعمال وإيرادات قطاعات تعتمد على التمويل بشكل كثيف كالتكنولوجيا فقد تكون بالبداية المخاوف كبيرة بالأسواق بسبب هذه التراجعات بأعمالها لكن أيضاً لا يمكن توقع أي نمو قوي قادم بها بأسعار فائدة مرتفعة.
وما يعنينا بنهاية المطاف هو تأثير تلك المتغيرات بتكاليف التمويل على اقتصاد المملكة فنحن نرتبط بالاقتصاد العالمي ارتباطاً وثيقاً بحكم دورنا المحوري والرئيسي بإمدادات الطاقة ومدى أهمية إيرادات النفط لدعم تمويل خطط التنمية وأيضاً حاجتنا لسلع وخدمات بتكاليف معقولة لبناء واستكمال المشاريع الضخمة التي تبنى حالياً وتمثل ركيزة رئيسية لانطلاق قطاعات وأنشطة اقتصادية مهمة ومؤثرة بنسب كبيرة بالنمو الاقتصادي فالمملكة دولة تستورد سلعاً وخدمات بمعدلات عالية تتخطى بحجمها 550 مليار ريال سنوياً أي ما يعادل 15 بالمائة تقريباً من حجم الناتج المحلي وما يعادل حوالي 50 بالمائة من إنفاق الميزانية العامة للدولة، وارتفاع تكاليف السلع المستوردة له تأثير بالغ في تقييم جدوى المشاريع أو ضخ الاستثمارات بقطاعات التجزئة والتطوير العقاري على سبيل المثال ويضاف لذلك ما يجري حالياً من ارتفاع بتكاليف التمويل، فسعر الإقراض بين البنوك السعودية ( السايبور) وصل إلى 6 بالمائة قبل أيام كما أن الطلب العالي على التمويل مازال جيداً حتى إن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني توقعت أن يضخ البنك المركزي المزيد من السيولة بالنظام المالي عبر البنوك لتلبية الطلب ولخفض السايبور لكن يبقى هناك عوامل عدة لابد من النظر لها من حيث تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على النمو الاقتصادي فبخلاف ارتفاع تكلفة التمويل على منشآت القطاع الخاص إلا أن المستهلك والذي يعد بإنفاقه داعماً رئيسياً للنمو الاقتصادي سيتأثر برفع سعر الفائدة فالعقار السكني مثلاً رغم وحود طلب جيد عليه إلا أن ذلك لا يعني عدم قيام بعض من يبحثون عن فرصة لتملك سكن بتأجيل قرار الشراء بل حتى المطورين العقاريين قد يؤخروا بعض مشاريعهم لارتفاع تكلفتها عن التقديرات التي كانت عليها عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة ويندرج ذلك على مشاريع الشركات الصغيرة والمتوسطة بمختلف الأنشطة والتي تبحث عن تمويل لتنفيذ خططها فعلى أقل تقدير سينتظر البعض منشآت أو أفراد أي إشارات لانحسار موجة التضخم قد تفيد بأن البنوك المركزية عالمياً تحديداً الفيدرالي الأميريكي ستغير توجهها نحو خفض سعر الفائدة حتى يعودوا للتفكير بتنفيذ خططهم المستقبلية.
لا يمكن إغفال أثر رفع سعر الفائدة على النشاط الاقتصادي خصوصاً أن العالم كله يمر بظروف اقتصادية صعبة ويواجه تحديات كبيرة ولذلك تظهر أهمية ابتكار الحلول لتقليل تأثير ارتفاع تكلفة التمويل لاستمرار النمو الاقتصادي حسب مستهدفات رؤية 2030 وبرامجها فالعالم كله يمر بأكبر اختبار تاريخي لتجاوز التداعيات الاقتصادية لكورونا وللحرب الروسية على أوكرانيا وما لحقها من اضطرار دول عديدة لتغيير سياساتها النقدية والمالية المرنة والتوسعية إلى متشددة والتي يتأثر بها جميع الدول بنسب متفاوتة.