الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعد القطاع الوقفي من الركائز الأساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030 باعتباره شريكًا في تحقيق أهداف التنمية والتطوير الذي تسعى إليه المملكة، والمطلع على حال الأوقاف لدينا يجد أن القطاعات الوقفية لازالت تراوح مكانها، فما أسباب ذلك.
«الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من المختصين والمهتمين في الشأن الوقفي، لمعرفة السبل الكفيلة للنهوض بالوقف في المجتمع، وكانت رؤاهم على النحو التالي:
توعية المجتمع
يقدم الدكتور عبدالعزيز بن شلوه الشاماني نائب رئيس لجنة الأوقاف بالمدينة المنورة، ومدير مكتب كفّتان للمحاماة والاستشارات القانونية والوقفية، بعض الأمور المساعدة على إسراع عجلة النهوض بالأوقاف في مجتمعنا، وذلك وفق النقاط التالية:
1- عدم تولية من له سلطة قضائية أو إدارية أو رقابية على الأوقاف أو نظارة إلا بعد حصوله على الأقل -إن لم يكن دبلوم- رخصة في الوقف يخضع فيها لتدريب ما لا يقل عن 100 ساعة يكون فيها مدربون من جميع الاختصاصات التي يحتاجها الخاضعون إلى برامج التدريب الشرعية والقانونية والمحاسبية والاستثمارية والاقتصادية إلخ.
2- تسهيل وتسريع إجراءات الإبدال للأصول الوقفية متى ظهرت الغبطة فيها، وكذلك الشراء للأصول الوقفية وإثبات صيغها والتهميش على استحكاماتها بحيث لا تتجاوز الإجراءات ثلاثين يوم عمل للإبدال وخمسة عشر يوماً لشراء الأصول أو وقف الأموال النقدية أو المحافِظ أو غيرها وإقرار صيغها والمجالس الوقفية فيها.
3- متى ما كان شرط الواقف المتوفى فيه ضرر أو جنف أو قلة منفعة فعلى الحاكم الشرعي التمشي مع نية الواقف وعدم التمسك بنصية الشرط خاصة أنه ينتقل إلى الأنفع والفاضل دون المفضول.
4- في الأوقاف الصغيرة لا هلاك لها أكثر من إدخال الظهور والبطون في ريع الوقف الذري وبهذا قضاء على الوقف ولو بعد حين، لذا لا يصار إلى وقف الظهور والبطون إلا في الأوقاف الكبيرة وأفضّل البطن الأول فقط ثم الظهور دون البطون بعد البطن الأول.
5-من المهم تبصير الواقف لجعل نسبة للاستثمار وللصيانة من الريع للأصول العقارية لضمان الديمومة للأصول وإمكانية إضافة أصول جديدة وقفية على مدى السنوات بعد تنمية ريع الاستثمار.
6- إيجاد صندوق وقفي استثماري ترعاه الهيئة العامة للأوقاف، يمنح الأوقاف المتعثرة منحًا سنوية أو قروضًا ميسرة وكذلك برنامج تمويل لدى البنك الإسلامي وبنك التنمية الاجتماعية كلها تقوم بتمويل الأوقاف حسب حجمها وبقروض ميسرة.
7- توعية المجتمع بفضل الأوقاف وتكثيف التوعية عبر المنابر ومجالس الأحياء، والندوات، والرسائل المكتوبة والمرئية عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلخ.
8- توجيه الواقف قبل الشروع في صيغة وقفه باستشارة المختصين لإرشاده بما يضمن تجويد الصيغة وشرط الواقف وانتقاء العين الموقوفة وضمان ديموميتها إلخ.
البيئة الوقفية
وينظر الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن التويجري المستشار الإداري في مجال إدارة وحوكمة الأوقاف، للموضوع من زاويتين:
الأولى: زاوية المتحقق؛ وهو كثير بفضل الله، سواءً على المستوى الحكومي؛ حيث ظهرت عدة مبادرات لتخصيص أوقاف تدعم استدامة بعض المشروعات النوعية، أو على المستوى الأهلي؛ حيث ظهرت أوقاف كبرى أسهمت في مساندة العمل الحكومي في الجانب الاجتماعي على وجه الخصوص، مع محاولات في الجوانب التعليمية والصحية والبيئية وغيرها.
ومن أمثلة المتحقق على المستوى الحكومي: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا في ثول (كاوست)، حيث اعتمدت لها أوقاف قوية تدعم استدامتها المالية بعون الله، ويبقى الدور في رعاية تلك الأوقاف وتنميتها والتأكد من اطراد نموها بما يتناسب مع قوة الاقتصاد العالمي، ومن ثم التأكد من مصارفها في مجالات الدعم العلمي والتقني الذي أسست من أجله الجامعة، ومن أمثلة ذلك أيضًا أوقاف سائر الجامعات؛ وعلى رأسها أوقاف جامعة الملك سعود، وأوقاف المؤسسات العلمية والاجتماعية الأخرى، مما ليس هذا مجال استقصائه.
أما الزاوية الأخرى؛ فهي زاوية المأمول؛ ودومًا يكون الأمل بقدر الطموح، وبخاصة في هذا الزمن الذي يجب أن نسابق فيه عوامل التضخم، وتضاعف الاحتياج؛ وهنا يمكن القول إن الأوقاف تحتاج إلى مزيد من التمكين لتحقق الطموحات المرجوة منها؛ ومن أهم وسائل التمكين أن تكون البيئة التنظيمية داعمة للأوقاف، مستقطبة لها، مشجعة على تناميها؛ عبر خدمات يمكن أن تقدمها الهيئة الفتية (الهيئة العامة للأوقاف) على وجه الخصوص، إضافة إلى القطاعات الأخرى ذات العلاقة، كالجهات التشريعية والتنظيمية والتنفيذية.
ولاسيما أن الأوقاف تسهم في استقرار الأموال، وفي توليد فرص العمل، وفي تحريك دورة الإنتاج؛ متى كانت أوقافًا تنموية موجهة.
سائلًا المولى عز وجل أن تتحقق الآمال والطموحات، ونرى الوقف باعتباره ملكًا اجتماعيًّا؛ يشترك في الاهتمام به الواقف والناظر والمنظم، إضافة إلى المستفيدين والموقوف عليهم.
الجهل في الأنظمة
ويؤكد الدكتور خلف بن علي العنزي رئيس مجلس إدارة جمعية نماء للخدمات الوقفية بمنطقة الحدود الشمالية (أوقافُنا)، أن الرؤية المباركة رؤية المملكة 2030على القطاع غير الربحي ركزت كرافد رئيس من روافد دعم الاقتصاد وتنميته ليساهم في الناتج المحلي، ورفع نسبة المساهمة فيه من 1% إلى 5%، وبلا شك أن الأوقاف هي عنصر أساس ورئيس من عناصر الموارد المالية التي يعتمد عليها القطاع غير الربحي في نمائه وديموميته.
وهناك أوقاف بارزة لها مكانتها وحجمها، وقوتها الاقتصادية، ولها مساهمات مجتمعية وتنموية في المجتمع، إلا أنه يوجد الكثير من الأوقاف ليس لها أي أثر أو حتى وجود في المجتمع، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها:
1- أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على الأوقاف بالذات وعلى القطاع غير الربحي عموماً، وأثرت عليها تأثيراً كثيراً حيث قل عطاؤها، ولولا الله سبحانه وتعالى ثم ما قامت به دولتنا الرشيدة أعزها الله من الدعم والمؤازرة لهذا القطاع لكان الضرر أعم وأكثر.
2- يوجد الكثير من الأوقاف المجهولة أو غير المعروفة، أو المندثرة.
3- كذلك توجد أوقاف معطلة، أو متعثرة.
4- التخوف غير المبرر من وجهت نظري، من بعض ممن يرغب بوقف الوقف، من أن الوقف قد لا يستمر، أو يتعثر، أو يفقد.
5- عدم معرفة أو دراية بعض من يهتم بالوقف، بالنواحي الشرعية والأحكام المتعلقة: بأحكام الوقف، وصك الوقفية والنظارة وغيرها، كذلك عدم المعرفة بالأنظمة واللوائح المتعلقة بالوقف، لاسيما أنه ولله الحمد صدرت مؤخرًا أنظمة ولوائح تضبط الوقف وتحميه وتحافظ عليه، كأنظمة الهيئة العامة للأوقاف، قد يجهلها الكثير ممن لديهم أوقاف أو ممن يهم أن يوقف، وقد يتخوف البعض من العقوبات المترتبة على المخالفات في حالة مخالفته للنظام.
6- عدم توثيق الأوقاف لدى الهيئة العامة للأوقاف.
وهناك سبل كفيلة وحلول ناجعة بإذن الله تعالى، لكي ينهض الوقف ويؤدي دوره الحيوي والتنموي في المجتمع، يتمثل في:
1- لابد من وجود قاعدة بيانات لجميع الأوقاف بالمملكة، تتضمن: اسم الوقف ونوعه وحجمه وحالته وموقعه، واسم الناظر أو مجلس النظارة.
2- التحاق نظار الأوقاف والمهتمين بالوقف والعاملين فيه بدورات متخصصة، والآن ولله الحمد وجد الكثير من الجمعيات المتخصصة في هذا الشأن وتقدم خدماتها بالمجان، وبدون أي مقابل مالي.
3- تسهيل إجراءات الوقف من الجهات ذات العلاقة.
4- عدم فرض أية رسوم أو ضرائب على الأوقاف وأنشطتها، والعاملين فيها.
5- وجود مراكز أبحاث ودراسات متخصصة في الأوقاف، تعنى بتطوير وإحياء وتنمية وتمكين الأوقاف.
ونحمد الله سبحانه وتعالى، على توفيقه لولاة أمرنا في هذه البلاد المباركة حرسها الله، من عناية واهتمام بأعمال الخير وبالأوقاف منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله- إلى العهد الزاهر عهد والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان - وفقهما الله-.