عبدالمحسن بن علي المطلق
بعضهم وكأنه قد (ضاق بدنياه ذرعاً)، فهو يكاد ينتقد كل شيء! عجيب، والأعجب - منه- أنه في غالب ذاته يمارس ما ينتقده! لكنه لا يبصر ما يصنع، أجل..
فمما يقال لمن ينتقد الآخرين (أو يعلق على أخطائهم) ولا يرى أخطاءه: (الجمل لا يرى اعوجاج رقبته)، وهاكم لذعة بخاصّة من يتبصّرها (.. حُكي عن غربال انتقد إبرة لثُقب في رأسها)، على أساس أنه...! فأتاه من لم يدع له مؤئلاً، أي منجاة -من نقده- آن يجد الشبكة وهي تترصّده لتقول (ما «أوسع» عينك يا ..)
فـ.. تلفاه يقول: لماذا هذا يقف بسيارته هكذا؟ وذاك لما يرفع صوته، ولماذا.. إلخ
في حين لو علم- هو- ظرف من ينتقده لعذره، لأنه (كما تقدم) يمارس- دون أن يشعر- ذات السلوك، وأحياناً يفعل ذلك حين يتعرّض لحالة من انتقدهم، ولو رمت تبكيته لرددت على مسامعه:
يا من يعيب وعيبه متشعّب
كم فيك مما تُعيّب، وأنت تعيبُ
على كـل .. لا شك أنك في مضارب دُنياك ستلتقي هذه النوعية، ربما سوادها بين من بلغ من العمر مبلغه، فهو ضجة (أو متشبّعةً) من دُنياها، فما عادت تُطيق من يقعون بما وقعت به سلفاً، وكأن لسان نقدها قائلاً خذوا عنّي ما تعلّمت من ...!
يا أخينا، دعهم يذوقون ويتعلّمون، فالمرء لو تسكب عليه تجاربك ما اقتنع إلا بـ(لمم ..) مما تقول به، لهذا يقال:
«اسأل مُجرّب ولا تنسى الطبيب»(1) .. الذي عساه يرفد معلومة المجرّب فتجتمع (الحُسنيين)، ولا عجب.. فأبوك آدم عليه السلام وقد حذّره مَن ؟، إنه (من يعلم الغيب والشهادة) سبحانه..، فلا (.. يعزب عنه مثقال ذرّة) (2)، يوم حذّر أبوينا من الشيطان(3) وأنه-لهما- عدوّ مبين (4) . بالمناسبة قال في اختباره للخليل (بلاء مبين)، وكذا جاء من كرم ربنا حين يزيدنا علماً، فأخبر عن بلوغ (الجنة) فوز كبير.. وعظيم، وهكذا، الشاهد بقوله {ولا تأكلا من هذه الشجرة} نهي له ما وراءه، والدليل {.. وأقل لكما إنه لكما عدوّ..} الشاهد أننا أبناؤه فلا نتعلّم - للأسف- من تجارب الآخرين مثل ما نتعلّم من سيطان الدنيا وهي تكاد تمسّ ظهورنا! ..، ولا غرو في هذا..
وفي ابنه زاهر قيل: العصا من العصية، أي لا يكون ابن فلحس إلا مثله.
والمشهور لزهير بن أبي سلمى:
هل ينبتُ الخطيَّ (5) إلاَّ وشيجهُ
وتُغرَسُ، إلاّ في مَنابِتِها، النّخْلُ
وقيل في تعليل آخر إن العصا هي فرس لجَذيمَة الأبرش يقال إن قََصيرًا (الذي جدع أنفه) نجا عليها من الزبّاء (زنوبيا)، والعُصيّة (6) هي أمها، فالعصا كأمها في أصالتها وعِتْقها.
استطرادا/ أن أول من قال المثل هو: «الأفعى الجُرْهُمي» حينما احتكم إليه أبناء نِزار الأربعة (مُضر وإياد وربيعة وأنمار) ..في قصة طويلة، فكان كل منهم قد أظهر فِراسة ونَباهة وصدق حَدْس، فإُعجِب بهم (الأفعى) لنباهتهم، فقال:
إن العصا من العُصيّة، وإن خُشَـيْـنًا (7) من أخشن
والمعنى أنهم يشبهون آباهم في حصافته.
* * * * * *
1) للأسف يُتداول المثل بصورة خاطئةً(.. ولا تسأل طبيب)!
2) أي لا يغيب عنه.. سبحانه وتعالى.
3) ملحظ/ يطلق عليه»إبليس»طالما لم يتعدّ بشرّه، أما إذا بلغ شره غيره نودي بالشيطان
4) بل.. إن المتدبّر لواجدٌ كـ(تلكم) غزيرةً في كتاب الله
5) الخطيي: الرمح المنسوب إلى الخط، «والخط»: جزيرة ترفأ إليها سفن الرماح بالبحرين
ووشيجه: جمع وشيجة هي العروف(*) الملتفة من شجر الرماح
*) أظنها تصحيف من (العروق)
6) وتصغيرها عُصَيّة، فقد أضيفت التاء لأنها اسم ثلاثي مؤنث كتصغير هند- هُنيدة، وعين- عُيينة...
7) خشين وأخشن جبلان أحدهما أكبر من الآخر.