د. فهد بن علي العليان
حينما ترى أخانا الدكتور (يوسف بن عبدالله العريفي) وتتحدث معه وتحاوره، تجزم يقينًا بأنك أمام أستاذ جامعي ذي ثقافة متنوعة، فهو المتخصص في التربية وعلومها والمناهج وطرائقه، كما أن له نصيبًا وافرًا واهتمامًا كبيرًا بعلوم الشريعة، فهو كما وصف نفسه في حسابه في تويتر «دكتوراه في المناهج والحاسب التعليمي، قليل من التخصص وكثير من الحياة»، لكن الذي قد لا يخطر لك على بال أن يكون هذا الرجل - الذي نشأ وترعرع في الأحساء وأصبح أحد أهم المبرزين فيها - مهتمًا في علوم الفلك يعرف التفاصيل ويناقش في أدق المسائل.
كان اللقاء الأول بالصديق الجاد (أبو عبدالله) في ردهات جامعة أوهايو بالولايات المتحدة حين قدمت إليها مبتعثا عام 1997م، فوجدته حيث سبقني مع مجموعة من الزملاء الذين أثروا معلوماتنا في البدايات عن الجامعة والسكن ودهاليز المدينة. كان (يوسف العريفي) جادًا في طرحه ونقاشاته حين نلقاه ونجتمع به في نادي الطلبة السعوديين أو في المركز الإسلامي في مدينة (أثينز) خلال تلك السنوات، فقد تميز بحديثه المتسلسل وعباراته المتناسقة، واللافت للنظر أن أباعبدالله إذا تحدث أشبع الموضوع؛ إذ لديه القدرة على الانتقال من فكرة إلى أخرى بسلاسة وأسلوب شيق، كما أنه متعدد الاهتمامات ويعرف ذلك كل الزملاء في مرحلة الابتعاث إلى يومنا هذا. مضت أيام الدراسة بكل ما فيها من صعوبات وتحديات وعاد (أبو عبدالله) يكمل مسيرة نجاحه وكفاحه أستاذًا جامعيًا متميزًا في الأحساء، ثم تغريه الرياض بكل ما فيها من صخب في مجال تكنولوجيا التعليم، فبقي بينها وبين مسقط رأسه، يقدم كل خبراته ويشارك بكل طاقته، ومع ذلك لم يمنعه هذا الانشغال والانتقال من أن يمارس هوايته (القراءة)، ويكمل ذلك بخروج مؤلفاته المتنوعة (خواطر وتأملات) في مجالات مختلفة (الأسرة، النفس، الأخلاق، الدين).. ومن ذلك: تأملات في القرابة والمرأة والأسرة والزواج - تأملات في القلب والعقل وإدارة النفس وصحتها - تأملات في المعرفة والفكر والثقافة - تأملات نفسية واجتماعية في الأخلاق والعلاقات - تأملات في الحياة والموت وحقيقة الحياة ودروسها - تأملات في الإسلام والدين والتدين - شهر رمضان أحكام وآداب تربوية - آداب استقبال المولود في الإسلام. بالإضافة إلى ذلك، فقد أصدر ما أطلق عليه (هرم الأخلاق) بأضلاعه الثلاثة: أخلاق الأساس، وأخلاق الكمال، وأخلاق الجمال، بما يتفرع تحت كل واحد منها من أخلاق فرعية وفقًا لرؤيته «وجود منظومة الأخلاق في عقل الإنسان كاملة واضحة وصحيحة يجعل فهمه للمواقف والحكم عليها والتعامل معها خلقيًا؛ متوازنًا وحكيمًا».
كما أنه أعطى من وقته الكثير لاهتماماته التخصصية في مجال المناهج والحاسب التعليمي؛ حيث أسهم بمشاركات ومسؤوليات متعددة خلال سنواته التي قضاها في الرياض كأحد أبرز الخبراء في هذا المجال، وما زال صاحبنا يسهم بمشاركاته المتنوعة ورحلاته المتعددة التي تبرز حراكه العلمي والثقافي. ومع هذا العطاء الرائع الجميل، فقد توقفت قدماه عن الركض باتجاه رفقاء مدينة أثينز؛ مما جعلهم يفتقدونه ويذكرون أيامه ولياليه العاطرة بالفوائد الأدبية والشرعية، واللمحات الفلكية، فليته يبقى على تواصله وإفادته وحضوره الدائم؛ ليستمر عطاؤه ومشاركاته، فحضوره حضور، وغيابه غياب للمتعة والفائدة.
هذا مرور على عجل، وفقرات صغيرة في مراحل مسيرة رجل ثري وسمين علمًا وثقافة وتأليفًا أسهم بدعم مسيرة زملائه في مرحلة الابتعاث، وأكمل ذلك بالمشاركة الفاعلة في مجتمعه في محافظة الأحساء وأثناء إقامته وتردده على مدينة الرياض. وإذا توقفت حروفي، فلن تتوقف خطوات صاحبنا (أبو عبدالله) في الثراء والإثراء والبذل والعطاء.
(التنوع ... ثراء)