د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، تمكنها من تغيير مسار كويكب صغير بحجم ملعب كرة القدم، وذلك بإرسال مركبة فضائية انتحارية صغيرة غير مأهولة بحجم الثلاجة، وقد انطلقت تلك المركبة الفضائية الانتحارية بسرعة ثلاثة وعشرين ألف كيلو متر في الساعة لتصطدم بذلك الكويكب، وتنجح في تغيير مساره الطبيعي إلى مسار آخر جديد، أصغر وأسرع من مساره السابق، وكان يدور حول كوكب آخر أكبر منه، وبعد ذلك الاصطدام الناجح، انحرف الكوكب عن مساره السابق وقصرت مدة دوران الكويكب حول محوره الجديد مقارنة بمحوره السابق من إحدى عشرة ساعة وخمس وخمسين دقيقة من الزمن، إلى إحدى عشرة ساعة وثلاث وعشرين، وقد تم ذلك دون عوائق تذكر.
في نظري أن هذا الحدث المبهر، يعتبر إنجازاً يصل إلى مرحلة الإعجاز، وما كان يخطر على بال إنسان قط أن يتمكن المرء من تغيير مسار ومحور كواكب، ولا أشك أن هذا النجاح الذي تحقق على كويكب صغيراً، سيمكن العلماء بكل يسر وسهولة أن يتعاملوا مع كواكب أكبر حجما مع زيادة حجم المركبة التي سوف تصطدم به، وربما أيضا زيادة سرعتها، والغاية من ذلك كما تقول الوكالة هو حماية الأرض من الكويكبات والنيازك الزائرة من الفضاء والتي قد تصطدم بالأرض، فتسبب كارثة كبرى قد تقضي على كل شيء فوق سطحها، ويعتقد العلماء أن اندثار الديناصورات قبل أكثر من مائة وخمسين مليون سنة كان بسبب اصطدام كويكب بالأرض، وذلك في أكثر النظريات قرباً للصحة.لا شك أن العلماء قد درسوا مخاطر الإقدام على مثل هذا العمل، وما قد يسببه من مشاكل على الأرض، ووصلوا إلى نتيجة مطمئنة بهامش خطأ يصل إلى الصفر أو حوله، لأن مثل ذلك الخطأ إن وقع فربما يعني نهاية أبدية، وهذا يتناقض مع السبب المعلن عن الغاية من الإقدام على مثل هذا الإنجاز العلمي المميز، بقي لدينا تساؤل قد لا يكون منطقياً لكن من المناسب طرحه للاستئناس، وهو مدى الإمكانية والإقدام على استخدام ذلك في الحروب والنزاعات الدولية، لا شك أن ذلك مستبعد جداً ويكاد يكون مستحيلا، غير أن المستحيل لم يعد له وجود في ظل التقدم العلمي الهائل، والتخلف في القيم والمبادئ الإنسانية السائدة، والمبنية أساساً على الميكافيلية العمياء.
بقي لدينا الطرح الأهم من الناحية الأخلاقية، وهي ذلك التناقض الكبير في الفكر الإنساني الذي يسعى لحماية الأرض من مدمر قادم من فضاء سحيق، في الوقت الذي يعمل جاهداً على صنع القنابل والفيروسات والمواد الكيميائية لاستخدامها في الحروب والاقتتال بين الدول، وقد استخدمت ذات مرة قبل نحو سبعين عاما بقدرة محدودة، وهذا يعني إمكانية استخدامها على نطاقات معينة، مع أن ما هو متاح من القنابل النووية كفيل بالقضاء على جميع الكائنات على وجه الارض، ومثل هذا الحدث قد يكون بقرار بشري، جماعي أو فردي، رغم كون ذلك محرما أخلاقياً وعقلاً، مهما كانت الأسباب والدوافع.
أمر آخر أيضاً يدمر به الإنسان بيئته بصفة تدريجية، وهو التغير المناخي، وعدم التوازن البيئي، وأصبح حقيقة واقعة، والتغير المناخي الناتج من زيادة الانبعاثات الغازية التي تؤثر بدورها على طبقة الاوزون، لم يدركها الإنسان الا بعد وقوعها، ووضوح أثرها، ومازال عاجزاً عن سن القوانين الكافية والقابلة للتطبيق للحد منها، ولايمكن إغفال المبادرات الفردية المفيدة مثل تلك التي تقوم بها المملكة، كمبادرة التشجير، أو إنشاء مدن قليلة أوعديمة الانبعاثات الضارة، لكن المبادرات الفردية تكون نموذجاً يحتذى، قد يستفيد منه أكبر عدد ممكن من البشر، إذا ما أرادوا الحفاظ على كوكبهم، ومع كل أسف أن النمط الغذائي الذي يزيد اعتماده على اللحوم، يتطلب زيادة عدد الحيوانات، التي بدورها تنتج غاز الأمونيا المضر بالغلاف الجوي، لهذا فإن الانسان من خلال استخدامه الخاطئ للطاقة، أو الغذاء، وقطعه للأشجار لاستخدامها في الصناعة، كل ذلك وغيره يؤثر بلا شك على الطبقة الأوزونية الحامية لكوكبنا. كما يمكننا القول إن الانسان أدرك أهمية التوازن البيئي قبل إدراكه لتأثير التغير المناخي، وسعى مبكراً للحفاظ عليه، ونجح إلى حد ما في بعض المناطق، لكنه لم يكن كذلك في مناطق أخرى، وحاجته لاستغلال موارده الطبيعية المحدودة، في زراعته وصناعته، تدفعه للانخراط في استخدامها، بغض النظر عن تأثير ذلك على بيئته.
علينا ألا ننسى ما تقدمه وكالات الفضاء، ومن ضمنها ناسا من معلومات مفيدة تتعلق بالطقس، والموارد الطبيعية في الارض، ومعلومات كثيرة تتعلق بالكواكب الأخرى، ودراسة طبقة الاوزون، وغير ذلك، ويبقى على الإنسان مسؤولية استثمار تلك المعلومات بما يحقق له الرخاء والحفاظ على بيئته، وإعمار الأرض بطريقة أفضل مما هو قائم الآن.