د. عبدالحق عزوزي
شاركت في منتدى الاتحاد في دورته 17 في مدينة أبوظبي والذي تناول هاته السنة موضوع اقتصاد المعرفة، بمشاركة كوكبة من الكتاب والمفكرين والباحثين... فالنجاح الكبير الذي تحققه دول يقوم على أساس اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة والذي أشير إليه في الفصل الثاني عشر من كتاب The Age of Discontinuity لـ بيتر دراكر... وكثيرا ما تستخدم مصطلحات متعددة للتأكيد على جوانب مختلفة لاقتصاد المعرفة منها مجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي وشبكة الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المعرفة وثورة المعلومات..... ففيما قبل، كانت الأرض والعمالة ورأس المال هي العوامل الثلاثة الأساسية للإنتاج في الاقتصاد القديم. أما اليوم، فقد أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي المعرفة الفنية والإبداع والذكاء والمعلومات. وصار للذكاء المتجسد في برامج الكمبيوتر والتكنولوجيا عبر نطاق واسع من المنتجات أهمية تفوق أهمية رأس المال أو المواد أو العمالة. وتقدر الأمم المتحدة أن اقتصادات المعرفة تستأثر الآن 7 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10 في المائة سنوياً. وجدير بالذكر أن 50 في المائة مثلاً من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وقد فهمت دول مبكراً أن هذا القرن هو قرن اقتصاد المعرفة بامتياز فاستثمرت في مكوناته، ونجحت فيه، وحققت فيه، وقدست أبجدياته، وفقهت أهمية المعرفة (والتي تعتبر التكنولوجيا أحد عناصرها) في الاقتصاد حتى أصبحت سمة اقتصاد القرن الحادي والعشرين هي الاقتصاد المبني على المعرفة Knowledge-Based Economic... فمجتمعات الغد ستكون قائمة على المعرفة وهيمنتها، ويعتبر التعليم أهم مصادر تعزيز التنافس الدولي، خاصة في مجتمع المعلومات باعتبار أن التعليم هو مفتاح المرور لدخول عصر المعرفة وتطوير المجتمعات من خلال تنمية حقيقية لرأس المال البشري الذي هو محور العملية التعليمية بما يعني أن مجتمع واقتصاد المعرفة مرتبط بمفهوم مجتمع التعليم الذي يتيح كل شيء فيه فرصاً للفرد، ليتعلَّم كي يعرف ويتعلّم كي يعمل ويتعلّم كي يعيش مع الآخرين ويتعلم كي يحقق ذاته....
وإذا كان اقتصاد المعرفة، قائما بالأساس على المعرفة كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، فإن هذا النوع من الاقتصاد يعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال والبنى التحتية الرقمية واستخدام الابتكار والرقمنة، وقيام مجتمع منفتح ومتسامح وحوكمة قوية إلى غير ذلك.
وإذا أردنا أن نبسط القول في مجال التربية، فإن ذلك يتم عن طريق الاستثمار الأمثل في عدة عوامل التي هي أساس نجاح كل منظومة تعليمية: التسامح، الطفولة المبكرة، التعليم بالألعاب، التعلم الحياتي المستمر (غرس ثقافة التعلم واكتساب المهارات المعرفية والحياتية في الأعمار السنية والمراحل الدراسية المختلفة من خلال إلزامية التعليم)، موازنة التعليم (تخصيص حصة كبيرة من ميزانيات الدولة لقطاع التعليم كل عام، وذلك من أجل توفير خدمات تعليمية ذات جودة عالية تلبي احتياجات المواطنين وتعزز مسيرة الدولة نحو اقتصاد قائم على المعرفة)، استشراف المستقبل (من خلال طرح التصورات المستقبلية عن واقع التعليم وأهمية تطويره والجوانب التي يتطلبها ليكون قادرا على التنافسية وتوفير مخرجات تعليمية بجودة عالية بما يسهم في استدامة التعليم)، مهارات المستقبل (بناء نظام تعليمي يرتكز على ترسيخ مهارات القرن 21 من خلال المنهج الدراسي والأنشطة التفاعلية والرحلات الاستكشافية العلمية بجانب تعزيز الابتكار في المدرسة، كما يجب ملاءمة المناهج الدراسية وفقاً لمتطلبات أسواق العمل بهدف مواكبة خطط الدولة للانتقال إلى عصر الاقتصاد المعرفي)؛ السعادة؛ الابتكار؛ الشباب؛ أصحاب الهمم في النظام التعليمي؛ التوازن بين الجنسين؛ التحول الرقمي في التعليم (والتي تهدف لخلق بيئة تعليمية جديدة في المدارس تضم صفوفاً ذكية في جميع المدارس وتوزيع أجهزة لوحية لجميع الطلاب وتزويد جميع مدارس الدولة بشبكات الجيل الرابع فائقة السرعة...).
ونحن نتحدث عن اقتصاد المعرفة، نفهم في هذا الصدد لماذا أقر مجلس الشيوخ الأمريكي وفي لحظة تفاهم نادرة بين الديمقراطيين والجمهوريين، لمشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات كبيرة في التكنولوجيا المتطورة. وتقضي الخطة بتخصيص أكثر من 170 مليار دولار وذلك لأهداف البحث والتطوير... وترصد هاته الخطة 120 مليار دولار للوكالة الحكومية «مؤسسة العلوم الوطنية» لتشجيع البحث في مختلف المجالات التي تعتبر رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي. كما تشمل 1,5 مليار دولار لتطوير شبكة الجيل الخامس (5جي) للاتصالات.