خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (أيده الله) مجلس الشورى عبر الاتصال المرئي وبحضور سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء (حفظه الله) مفتتحاً أعمال المجلس للسنة الثالثة من الدورة الثامنة. وتناول هذا الخطاب التاريخي سياسة الدولة داخلياً وخارجياً.
ففي البداية قال الملك إن للمملكة دستوراً ومنهاج عمل لا تحيد عنه مستعينة بالكتاب العزيز (القرآن الكريم) وسنة المصطفى (ص) واستشهد الملك بالآية القرآنية: (وشاورهم في الأمر).
إن مقدمة خطاب الملك تبين وبلا شك مدى سير أو تسلسل الخطاب الملكي من البداية القوية ثم يعرج فيما بين سطوره إلى شرح الكثير من المواضيع التي تهم شريحة كبيرة من الناس داخل البلاد، وعالم خارجي سيرى أن خطاب الملك هادف ومطمئن للاهتمام الذي يوليه (حفظه الله) لهذين الجانبين.
الأهمية البالغة وأصداء الخطاب وعباراته الصريحة وصلت عبر السهل الممتنع وتلقاها الإعلام الخارجي والداخلي بكل تقدير وترحاب. إنها معانٍ سامية من ملك حكيم وقائد ماهر ذي فكر نيّر وثقافة ثرية تقرأ الأحداث الداخلية والخارجية وترسم خارطة الطريق لها بكل براعة واقتدار.
تناول الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) الشأن الداخلي بإسهاب وتحدث بكل صراحة وعفوية ونال رضا المواطنين نظراً لما أولاه الملك للشعب الكريم من اهتمام واعتزاز، بالجهود المبذولة لكل رجل في الدولة ومن منسوبي القطاعات الأمنية والعسكرية.
تشرف مجلس الشورى بتوجيه قوي من رأس هرم السلطة في المملكة العربية السعودية وبكلماته التي لامست شغاف المواطنين. حديث لا تنقصه الصراحة بيّن فيه الملك مدى الأدوار الرائدة التي تلعبها المملكة خصوصاً على النطاق الخارجي وكلها تصب في صالح الاستقرار وحل النزاعات بالسلمية والحوار والقضاء على النزاعات وتجنب التدخل في شؤون الغير، وحل موضوع الطاقة فيما يخدم الدول المصدرة والدول المستهلكة والحفاظ على توازن السوق وكبح جماح الأسعار إذا ارتفعت حتى لا تتأثر الدول الأخرى.
سرور واعتزاز المواطنين بما احتوى عليه خطاب الملك المفدى من مضامين راسخة أتت بين السطور ففي كلمته الضافية شعورٌ وطنيٌّ لا يعادله شعور.
وما أشبه الليلة بالبارحة لقد كان الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) يحرص كل الحرص على العمل بمبدأ الشورى ويحث عليه حتى يكون هناك رضا من عامة الشعب، وأنه من سوف يختار من الأشخاص كفؤ للمهمة التي أوكلت له إنه دستور البلاد وحكمها القويم.
كان أول مجلس للشورى أنشأه الملك عبدالعزيز في عام 1345هـ بمكة المكرمة، وترأس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن أول جلساته في يوم الأحد الموافق 1346/01/17هـ. وهذا المجلس أتى كتبيان على رغبة الملك المؤسس وحرصه على أن التشاور في كافة الأمور هي مبدؤه الذي لا يحيد عنه، ومع أن رضا الناس غاية لا تدرك لكن الملك نجح في تسيير أمور الدولة ومفاصلها بكل سهولة ويسر مستشهداً بالآيات القرآنية التي تحث على الشورى والتشاور بين رجال الأمة وممارسته الفعلية لكل مناحي الحياة كقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) - آل عمران - .. والآية (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - (الشورى) - .
رغم فارق السنين بين خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وخطاب والده العظيم هناك أمر لا يمكن حجبه بغربال، ألا وهو ديدن هذه الدولة منذ تأسيسها وهي تأخذ مبدأ الشورى نبراساً لها ونوراً ينور دربها، وبلا شك يستأنس المواطن بهذا المسلك الحميد المستمد من كتاب الله وسنة نبيه (ص). وهناك أيضاً ميزة اختصها الله بها هذه البلاد دون غيرها وهي اللحمة الشعبية ما بين القيادة والمواطن، ولهذا أتى خطاب الملك الذي تشرف به المجلس بما فيه من عبر ومضامين. خلق بدوره ارتياحاً كما هي العادة السنوية، وأصبح حديث المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي.
واستعرض معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ د. عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بهذه المناسبة العزيزة على نفس كل مواطن ومواطنة، ما تحقق للمجلس خلال أعمال السنة الثانية من دورة المجلس الثامنة، حيث عقد فيها المجلس ( 53 ) جلسة، أصدر خلالها (396) قراراً ، وناقش خلالها ( 210 ) من تقارير الأجهزة الحكومية، وأصدر بشأنها قراراته بعد تمعّن ودراسة، مشيراً إلى أنَّ السنة الثانية من الدورة الحالية حملت إنجازات تتعلق بالدبلوماسيةِ البرلمانيةِ منْ خلالِ تنفيذِ أكثرَ منْ (34) مشاركةً وزيارةً رسمية، كما عقدت لجان الصداقة البرلمانية ( 44 ) اجتماعاً مع نظيراتها في المجالس البرلمانية أو الدبلوماسيين في المملكة، وذلك دعماً للجهود، وإيضاحاً لوجهة نظر المملكة تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة.
لقد أصبحت المملكة العربية السعودية تمتلك مجلساً للشورى يواكب المستجدات والمتغيرات التنموية السريعة المتلاحقة التي تشهدها البلاد، وكذلك واقع العصر الذي نعيشه، كما ويتلاءم مع أوضاعه ومعطياته ومتطلباته. ففي العام 1992م أعاد الملك فهد بن عبد العزيز تأسيس مجلس الشورى السعودي، واختيار أعضائه.
نال المجلس بشكله الحديث مبنى يقع في الجزء الشمالي الغربي من العاصمة السعودية الرياض، هذا المبنى بشكله اللافت أصبح متميزاً بين برلمانات العالم، وفق أحدث التصاميم الهندسية، على مساحة إجمالية مقدارها (138.000م2)، ومقدار مساحة المباني (56.385م2)، مزوداً بأفضل التجهيزات التقنية، والمكتبية الحديثة.
وتماشياً مع رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء (2030)، قام مجلس الشورى كسلطة تشريعية رقابية بتحديث وتعديل أدوار لجانه المتخصصة والفعالة لتعكس هذه الرؤية المستقبلية والطموحة، خاصة بعد إعادة هيكلة بعض الهيئات والوزارات والمؤسسات الحكومية.
إن ممارسة الشورى في المملكة أخذت الاهتمام البالغ من لدن القيادة، فالملك سلمان بن عبدالعزيز - رعاه الله - مضى بالالتزام بالمنهج الرباني الذي سلكه والده الراحل، وإخوانه (رحمهم الله)، من أجل تحقيق تطلعات المواطن، وتحقيق الطموحات التنموية والحضارية للوطن الغالي.
نسأل الله جلت قدرته أن يمتع والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بموفور من الصحة والعافية، وأن يحفظ عضده الأيمن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وأن يديم على هذه البلاد نعمة الأمن والاستقرار، وأن يزيدها من النعم ظاهرة وباطنة.
خاتمة:
حماك الله يا وطن..