اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أنه لا يُرمى إلا المثمر من الشجر وأن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى، وهذا القول ينطبق على الحملة الظالمة التي استهدفت المملكة دون غيرها من دول أوبك زائد، بعد قرار المنظمة تخفيض انتاجها من الطاقة وقد قال الشاعر:
إن الرياح إذا اشتدت عواصفها
فليس ترمي سوى العالي من الشجر
والتجني من قبل الإدارة الأمريكية الحالية ضد المملكة لم يكن من قبيل الصدفة أو وهل الساعة، فإتهامها للمملكة بالاصطفاف مع روسيا لم يكن أمراً عارضاً ولا اتهاماً عابراً، بل هو ما أرادته وبيتت النية بشأنه، وجرى التخطيط له حيث كان ذلك هو أحد أهدافها عندما صنفت دول العالم إلى دول ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية فيما يعرف بقمة الديمقراطية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي الحالي.
وقد غاب عن ذهن الشريك الأمريكي أن اتهامه للمملكة بالاصطفاف مع روسيا اتهام ظالم وتجنٍ مكشوف، متجاهلاً اصطفافه مع الحركة الحوثية عندما أسقط اسمها من قائمة الحركات الإرهابية والاصطفاف مع إيران في الباطن ومعاداتها في الظاهر، والتواطؤ مع المليشيات الموالية لإيران في العراق وحزب (اللات) في لبنان، وما خفي كان أعظم.
والافتراء على المملكة والتجني عليها ليس بالأمر الجديد أو المستغرب بالنسبة للإعلام الأمريكي ومَنْ يقف خلفه، ولكن الأمر الجديد هو اختلاق فرية الاصطفاف واستخدامها مبرراً للإساءة إلى المملكة من جهة، وتصدير الإدارة الأمريكية لمشكلاتها الداخلية واخفاقاتها الانتخابية والاقتصادية والسياسية من جهة أخرى.
وترى الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن الحل الأمثل لمعظم مشكلاتها يكمن في التحكم في مصادر الطاقة وبالتحديد النفط والغاز، وهذا هو أحد الأسباب لافتعال الأزمة الحالية مع منظمة أوبك زائد بسبب قرار خفض الإنتاج وتوجيه أصابع الاتهام بالوقوف وراء القرار إلى المملكة، بوصفها الدولة الفاعلة والرائدة في مجال الطاقة مع الربط بين هذا القرار وبين ما تراه الإدارة الأمريكية معاكساً لسياساتها الاقتصادية وعقوباتها المفروضة على روسيا، معتبرة ذلك يدور في فلك الصراع مع القوى المناوئة لها.
وترتيبا على ذلك فإن موقف الحكومة الأمريكية المضاد لقرار أوبك زائد يدخل في دائرة الصراع على الطاقة، وحرمان صاحب الحق من استحقاقه، جاعلة من المناطق التي يوجد فيها النفط والغاز مسرحاً للصراع وهدفاً للنزاع، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق المستهدفة نتيجة لموقعها الاستراتيجي وما تحتوي عليه من النفط والغاز.
وهذا الموقف يشكل امتداداً للصراع القائم الذي أخذ بعداً عالمياً دفع أمريكا إلى تغيير المفهوم التقليدي للجيوبوليتيك إلى جيوبوليتيك النفط والغاز على نحو أصبحت معه الطاقة في ظل العولمة الليبرالية وسياسة القطب الواحد تمثل الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية والمحرك الأول للصراعات الإقليمية والدولية التي تخوضها.
وكم هو خليق بدولة عظمى تتولى قيادة العالم أن تنأى بنفسها عن إثارة الفتن وإشعال الحروب وأن تتحمل مسؤوليتها تجاه الآخرين وتنظر إلى قرار التحكم في معدل الإنتاج والسيطرة على الأسعار من منظور منطقي وواقعي يتفق مع مكانتها ولا يتعارض مع مصلحتها بدلاً من النظر إليه من منظور انتخابي ضيق والربط بينه وبين الصراع في أوكرانيا، مدركةً أن مصلحة شعبها في مجال الطاقة تنسجم مع مصالح الشعوب الأخرى.
والمملكة دولة ذات سيادة فاعلة، وسياسة معتدلة وتتعامل في مجال الطاقة بطريقة متعقلة وشاملة، تُراعي من خلالها الاستخدام الصحيح لهذه السلعة الحرجة والموازنة بين العرض والطلب بالشكل الذي يخدم المنتج والمستهلك ويضمن استقرار الأسواق العالمية فيما يتعلق بالطاقة بعيداً عن استغلالها أو تسييسها.
وعملية خفض الإنتاج بُنيت على أسس اقتصادية ومعايير فنية اتفق عليها جميع أعضاء أوبك زائد من أجل تماسك الأسعار والمحافظة على مصلحة الدول المنتجة والمستهلكة عن طريق تأمين الطاقة في الأسواق العالمية، وجعلها في منأى عن الابتزاز والتسييس ومحاولات التدليس والتلبيس.
ورغم أن القرار اقتصادي بحت وخاضع للتصويت بالإجماع من جميع المنتجين لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسعار فإن الإدارة الأمريكية وجدت في تسييسه وسيلة انتخابية وذريعة سببية لخداع الناخب الأمريكي وإنقاذ الحزب الديمقراطي من الفشل المنتظر في الانتخابات البرلمانية النصفية، متجنية على المملكة لهدف مقلوب وحاجة في نفس يعقوب، واصفة القرار وصفاً تعسفياً ومدعية بأنه يضر بمصالح الشعب الأمريكي.
ودول أوبك زائد تمارس حقها المشروع وتنفذ سياستها المرسومة والمعلومة عن طريق التحكم في إنتاجها من الطاقة من حيث الزيادة والخفض، وذلك في سبيل تحقيق مصالحها من جهة وخدمة الدول المستهلكة من جهة أخرى مع الحرص على استقرار أسواق الطاقة بشكل يتكيف مع تقلبات الأسعار ويحافظ على استقامة المسار على قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
وعلى الجانب الآخر فإن الإدارة الأمريكية يتوقف همها واهتمامها على تنفيذ سياساتها الاستعمارية وتحقيق أهدافها الانتخابية وتفعيل عقوباتها الاقتصادية ضد روسيا دون أن تهتم بمصالح الآخرين أو تراعي احتياجاتهم من هذه المادة البالغة الأهمية التي يعود إليها الفضل في تحريك عجلة الحياة.
وقيادة المملكة تعمل جاهدة لكي تعود الشراكة مع أمريكا إلى سابق عهدها بصرف النظر عن ما يعكر صفوها من تصريحات انتخابية وينغصها من منغصات إعلامية تصل إلى حد التهديد والوعيد والتلويح بالخيارات في الوقت الذي تحاول فيه قيادة المملكة التغافل عن بعض التجاوزات والتعامل معها بحكمة على مبدأ التحجيم لا التضخيم، وواقع الحال كما قال الشاعر:
وعاشر بمعروف وقاوم من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن
ورغم أن قمة جدة قد أعادت إلى هذه الشراكة شيئاً من التفاؤل والامل إلا أن هذا الأمر لم يكتمل والجرح لم يندمل بسبب الحملة المفتعلة ضد المملكة وما تخلل هذه الحملة من تصريحات مرفوضة وحجج مدحوضة.
والمملكة ترفض الاملاءات والابتزازات ولا تساوم على ثوابتها ولا تقبل فيها إنصاف الحلول أو المساس بها مع ايمانها بأن العصر هو عصر التحالفات والشراكات التي تجمع بين الدول داخل إطار مقدس من الروابط والعلاقات المتبادلة التي تتمحور حول المصالح المشتركة في بيئة تسودها الندية واحترام القيم والخصوصيات.
واختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا يعد ظاهرة صحية، كما أن تعارض المصالح عندما يحصل بين الحلفاء والشركاء تتم السيطرة عليه بالصبر والاحتواء، بوصفه حالة مرضية قابلة للعلاج والدواء، والإدارة الأمريكية تتعامل خارج هذا المفهوم بصورة مؤذية تجعل العلاقات القديمة تصل إلى حالة ذميمة ونهاية عقيمة نتيجة للمكابرة والابتزاز والممارسات الموغلة في النشاز والداعية إلى الاشمئزاز، وتفادي ما حصل يتم بالاعتراف بالخطأ من قبل المخطئ والاعتراف يهدم الاقتراف والإقرار يفتح باب الاعتذار.