د.شريف بن محمد الأتربي
استطاعت الميديا الإعلامية على مدار عشرات السنين أن تجعل كلمة الهدف محصورة في المنافسات الرياضية، وأغفلت تماماً الفكرة الأساسية للهدف في باقي مجالات المعرفة والعلوم.
والهدف اسمٌ، جمعه أهداف، وللهدف عدة معانٍ لغوية منها: المطلب، أي الغاية والغرض الذي يقصد منه الإنسان فعل شيء؛ مثلاً: هدفه مساعدة المحتاجين. أو هو شيءٌ يجعله الإنسان نصب ناظريه ليصل إليه، مثل: أصاب السّهم الهدف، أي لم يخطئه. كل ما له ارتفاع عالٍ عن سطح الأرض، كالأبنية أو الجبل، مثل: انحدر عن الهدف مسرعًا. إصابة اللاعب لعدد من النقاط في لعبة ما، كما يسمّى مرمى كرة القدم بالهدف، ويُقال هدف إلى الأمر أي جعله غرضًا يسعى إليه.
أمّا الهدف في الاصطلاح، فهو القصد والغرض المحدَّد الذي تقوم عليه أي مؤسسة أو أي نشاط، ويعبَّر عنه بأهداف قابلة للقياس. ويُعرَّف الهدف عند التربويين بالنتيجة أو التغيير المرغوب فيه الذي يهدف إليه المعلم من قيامه بالعملية التعليمية، كالتغيّر السلوكي للطالب مثلاً، أي أنَّ الهدف هو تعبير عن مخرجات التعليم أو غاية العملية التعليمية، سواءً كان التغيير بعيد أم قريب المدى.
وخلال الفترة الماضية تشرَّفت بحضور دورة تدريبية عن تحديد الأهداف والغايات Setting Goals and Objectives، قدمها المدرب الرائع الدكتور سليم صادق، لعل من أبرز ما ذكره خلالها الدكتور قوله: إذا كنت لا تعرف إلى أين ستذهب، فحتماً ستصل إلى ما لا تريد أن تكون. عبارة في غاية القوة تلخص رؤية الشخص لحياته، كم من البشر يظل يركض في الحياة خلف أوهام وسراب ظناً أنه سيصل إلى غايته في نهاية المطاف وبالتالي يحقق هدفه المزعوم، وللأسف ينتهي العمر ولا يصل، ولن يصل أبداً إلى مبتغاه، فما بدئ وهو غير واضح ومحدد، بالتأكيد لن تكون نهايته واضحة ومحددة.
وفي البداية أود الإشارة إلى الاختلاف بين الهدف والغاية والإرادة، فالهدف يجب أن يكون محدداً، وقابلاً للقياس، ويمكن تحقيقه، ومرتبطاً بالشخص، وأخيراً له فترة زمنية لتحقيقه. وهو إجراء ملموس قابل للقياس، يحدد كمية، متغيّر، ويمكن تحقيقه كاملاً. وهو رغبة صادقة ضمن إمكانياتك مكتوبة محددة بوقت مجزأة بمهام تنتظر تحقيقها.
أما الغاية فيعرِّفها المختصون في علم الإدارة: بأنها كل ما يمكن أن نعتبره مبدأً ساميًا عامَّاً، بعيد المدى، تحدد فيها النوعية، ويمكن الوصول لدرجات منها وليس كلها.
فالغاية هي الدافع والمحرك الأول لأي إنسان، أي أنها بمثابة المهمة الكبرى أو الرؤية التي من خلالها سيضع الإنسان أهدافه الخاصة، ويسعى لتحقيقها.
أما الإرادة، فتعرَّف في علم الفلسفة على أنها الشعور الداخلي في قلب الإنسان حين يعزم على فعل شيء ما، فمن الأشخاص من يحققه ومنهم من لا يستطيع تحقيقه، كلٌ حسب القوة الداخلية التي يتمتع بها صاحب العزم، وهي إحساس عظيم يشعر به القويّ تعبر أفعاله عنها، فالإرادة رغبة ذاتية تختلف من إنسان إلى آخر، وقد عرَّفها العالم (فريدريك إنجلز Friedrich Engels) بأنّها قدرة الإنسان على اتخاذ قراره من تلقاء نفسه، فهي ملكة الاختيار في فعل أمر أو الامتناع عنه، وعرَّفها آخرون من الفلاسفة على أنها شوق أكيد لتحقيق ما عزم الإنسان على فعله وعقد النفس على تحقيقه.
كما يعرّفها العالم (رينيه ديكارت René Descartes) بأنها قدرة الإنسان على فعل شيء وعدم فعله، وأيضاً القدرة على إثباته ونفيه، أي قدرة ذهن الشخص على اتخاذ هذه القرارات من عدمها، ويقول ديكارت: «إنّ الحرية أساس الإرادة وحرية الإرادة تأتي من تجربتنا الشخصية لها».
وتعمل الغاية والهدف والوسيلة والإرادة معاً كوقود لمحرك الفرد للوصول إلى مبتغاه، وإرضاء ذاته، وكلما تحققت الأهداف وبُلغت الغايات؛ تجددت الأهداف وكبرت وتسلحت بروح الإصرار والعزيمة على تحقيقها.
وحتى تتحقق الأهداف لا بد أن تكون واضحة الصياغة، ممكن تحقيقها، وتختلف صياغة الأهداف عن صناعة الأهداف، فصنع الهدف أصعب بكثير من صياغته، فإن كنت قادراً على صياغة الهدف، فلست بالضرورة أن تكون قادراً على صناعته، فكثير من الأهداف على مستوى الأفراد، بل وعلى مستوى الدول أيضاً يتم صياغتها بطريقة صحيحة جداً، ولكن من صاغها لم يكن متمكناً من صناعته فتذهب هباءً منثورا، وقديماً قالوا: الكلام حلو، ولكن الفعل أحلى.
وأخيراً أختم هذا المقال بما بدأت به: إذا كنت لا تعرف إلى أين ستذهب، فحتماً ستصل إلى ما لا تريد أن تكون.