د. تنيضب الفايدي
تعني كلمة التوازن البيئي قدرة البيئة على إعالة الحياة على سطح الأرض دون مشكلات, أو مخاطر تمس الحياة البشرية، بل إن التوازن البيئي يعد ظاهرة مهمة في عناصر الحياة، ويعد سر استمرارها في الحفاظ على وجود الكائنات الحية وفق منظومة قدرها الخالق بدقة عجيبة، وهو ما قرره القرآن الكريم في قولة تعالى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} سورة الحجر الآية (19).
وقد أكدت مصادر التشريع الإسلامي - وخاصة في القرآن الكريم - تأكيداً قوياً على دراسة المخلوقات في الطبيعة حتى نتمكن من إدراك حقيقة أن الحياة نظام واحد، خلق كل شيء فيها بقدر، وأن التوازن بين الكائنات الحية وبيئاتها ذو أهمية كبيرة في حفظ الحياة على الأرض وفقدان التوازن يؤدي إلى اختلال النظام الموزون للبيئة حيث إن هناك توازناً بين الكائنات الحية فلو تكاثر نوع أكثر مما هو ضمن النظام الذي قدره الله سيؤدي ذلك إلى اختلال ونقص فيما يتناسب معه من كائنات حية أخرى مرتبطة به وفيما يلي عدة أمثلة توضح ذلك:
تكاثرت الفئران وانتشرت في جامايكا بدرجة مروعة ووصلت إلى الحقول وطاب لها قصب السكر فلم تبق منه شيئا ولم تذر، وأصبح هذا المحصول المهام مهدد بالفناء. وقد لجأ المزارعون إلى وسائل عديدة للتخلص من الفئران ولكن هذا لم يزدها إلى رواجا! وأخيراً فكروا في إدخال النمس إلى الجزيرة إذ لم يكن موجودا بها من قبل. واستوردوا عدداً كبيراً منه وأطلقوه في المزارع فنما وتكاثر وجعل غذاءه من الفئران، وما هي إلا سنوات ثلاث حتى خلت الجزيرة منها تماما. ولكن الميزان اختل بعد ذلك! فقد انتهى خطر ونشأ خطر لأن النمس - بعد انعدام الفئران- بحث عن غذاء آخر فبدأ بالدواجن وقضى عليها ثم تحول إلى الطيور وكاد أن يقضي عليها وهنا لم تجد حكومة جامايكا مناصاً من التخلص من النمس فبدأوا في إبادته.
من المعروف عن الأسد أنه يفترس الغزلان ومن ثم صدر تشريع في الولايات المتحدة منذ عشرات السنين يشجع على صيد الأسود من الجبال، وبعد ذلك بقليل اكتشف خبراء الثروة الحيوانية البرية ما لم يكن في الحسبان: فقد اكتشفوا ظاهرة جديدة هي انتشار الأمراض والأوبئة بين قطعان الغزلان من المناطق التي خلا منها أسد! وبدراسة الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة تبين أن الأسد كان من أهم عوامل المحافظة على سلامة الغزلان وذلك بافتراسه الضعيف والمريض منها وبذلك يكون القطيع دائما مكونا من أحسن الأفراد وترتب على ذلك بالطبع إصدار تشريع آخر يحرم صيد الأسد بعد اكتشاف أهميته في المحافظة على مكونات التوازن البيولوجي في بيئته.
هناك توازن في الشواطئ الاسترالية بين قناديل البحر والسلاحف المائية الخضر، ولكن فجأة وعندما ينزل بعض المصطافين على تلك الشواطئ فإنهم يخرجون وكأن لسعتهم حية، ويتقصى علماء البيئة الأسباب تبين أن ثمة اختلالا قد حدث بين القناديل والسلاحف نتيجة تربية الخنازير من قبل الأهالي هناك والتي أكلت بيض السلاحف فقل عددها ومن ثم تكاثرت قناديل البحر وتكاثرت واخترقت حاجز التوازن البيولوجي وتحولت إلى آفة طارئة تأذى من ويلاتها المصطافون.
والعصافير إن لم تجد الكفة الأخرى التي تتوازن معها بيولوجيا وتحد من أعدادها فإنها تتكاثر وتتكاثر وتخترق حاجز الاتزان البيولوجي وتتحول على آفة طارئة، وهذا ما نشاهده الآن في بعض البيئات بعض القضاء على الكفة الأخرى وهي الطيور الجارحة الأعداء الطبيعية للعصافير الدورية النبيلة. وقد ظهر اختلال التوازن في الصين عندما أبادت عصافيرها ذات مرة فظهرت لها آفات أشد منها فتكاد وجدت في غياب كفتها الأخرى العصافير متنفسا لها ومرتعا.
لذا فهناك تفاعل وتوازن بيئي دقيق، وتتعدد أنواع البيئة من حيث تفاعلها مع الإنسان.