تعقيباً على ما كتبه الأستاذ عبدالوهاب الفايز في جريدة الجزيرة يوم الأربعاء 16/ 3/ 1444هـ الموافق 12/ 10/ 2022م بخصوص موضوع الشركات الاستشارية العالمية وما تم نشره سابقاً من قبل الصحفيين المتخصصين بالتحقيقات الاستقصائية في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية والت بوجدانيتش ومايكل فورسيث.
سوف أحاول من خلال هذا الرد توضيح النشاط الاستشاري المحلي في المملكة العربية السعودية في كل المجالات حيث إن مجال الاستشارات بشكل شامل هو بيع وقت الخبراء والمتخصصين لإسداء المشورات والنصائح وإعداد الدراسات والتصاميم والبرامج والبحث عن طرق الإنجاز القصيرة والمختصرة وذات الجودة والكفاءة العالية والمردود المادي الكبير لمن يحتاجه من القطاعات الحكومية أو الخاصة والمستثمرين والشركات والبنوك والأفراد وهو قطاع هام جداً لا غنى عنه لرسم طريق النجاح وبناء المشاريع وفقاً للأهداف والقيم المطلوبة والجدول الزمني المحدد والميزانيات المرصودة لإتمام وإنجاز تلك المشاريع والمبادرات.
سوف يتم الحديث في هذه المقالة عن ظروف الاستشارات خلال الفترة الزمنية من 1974م وحتى وقتنا الحاضر 2022م.
أولاً: إن دخول تلك الشركات الاستشارية العالمية سوق الاستشارات في المملكة العربية السعودية قديم منذ حوالي 50 عاماً وازدادت وتيرته بعد الطفرة النفطية بعد عام 1974 م وهناك مبررات لذلك لقلة عدد المستشارين السعوديين آنذاك وتطلع المملكة لمواكبة حركة التطوير والتنمية العمرانية والصناعية العالمية والنهل سريعاً منها والاستفادة من خبراتها السابقة بدلاً من محاولات التجارب العشوائية والصح والخطأ مكلفة الوقت والتكاليف وبطيئة الإنجاز لحركة التنمية.
وقد نجحت تلك التجربة السعودية بامتياز ونتج عنها مشاريع منتجة عملاقة مثل شركة سابك ومدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين وتخصيص شركة أرامكو والنهضة الصناعية والعمرانية والاجتماعية والتعليمية منذ ذلك التاريخ 1974م حيث سبقت السعودية في تحقيق تلك الإنجازات وغيرها كثيراً من دول العالم وأصبحنا الآن في عام 2022 م نسابق نحو الصفوف الأولى ضمن الدول فائقة التقدم والحضارة ووفرة الاقتصاد وهذا من فضل الله ثم بفضل الرؤية الحكيمة لقادتنا السابقين رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته وفضل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان صاحب الرؤية الشاملة للمملكة 2030 والتي ساهمت في اختصار كثير من الزمن للانضمام لصفوف الدول المتقدمة صناعياً وعلمياً واقتصادياً.
ثانياً: (تشير تقديرات المختصين إلى أن حجم الإنفاق السنوي على قطاع الخدمات الاستشارية المتخصصة يتجاوز الـ 20 مليار ريال سنويًّا، أغلب هذا الإنفاق - مع الأسف - يذهب إلى الشركات الاستشارية الأجنبية التي تستحوذ على حصة تصل إلى 90 % من سوق الاستشارات في المملكة (عبدالوهاب الفايز - جريدة الجزيرة -11/ 9/ 2019م ).
هذا الإنفاق السخي والكبير السنوي جذب كبريات الشركات الاستشارية العالمية لهذه السوق الواعدة خصوصاً مع الطموحات عالية الآفاق والسمو والتي تتمثل في رؤية السعودية الشاملة 2030.
ثالثاً: ما خاب من استشار مثل وحكمة دارجة من التراث تشجع دائماً على طلب الاستشارة والنصح والحكمة من أصحاب الرأي والخبرة والمشورة لمعرفة الأساليب المجربة والطرق الأقرب المختصرة للوصول لتحقيق النتائج والأهداف المطلوبة دون هدر للوقت والمال والجهد.
رابعاً: خلال الـ 50 عاماً الماضية برزت العديد من المكاتب الاستشارية المحلية السعودية بكل التخصصات وأصبحت الكوادر السعودية تنافس الأسواق والخدمات في مجال الاستشارات وكثير من الكوادر السعودية نهلت من خبرات تلك المكاتب الاستشارية العالمية والأجنبية، ولهذا وجب أن تتغير النظرة والتقييم للمكاتب السعودية والكوادر السعودية فمرور تلك السنوات شكل قاعدة قوية متمكنة إدارياً وفنياً واقتصادياً مغايراً لما كان عليه الوضع قبل 50 عاماً حيث كانت الكوادر قليلة ومستوى احتكاكها بحجم المشاريع الكبرى محدود وضيق، لهذا كان اللجوء للشركات الاستشارية العالمية هو العلاج والحل الناجع لهذا النقص في الكوادر والخبرات ومستوى حجم المشاريع المنفذة وأعطت النتائج الباهرة في التقدم الحضاري والتنموي التي نعيش رخاءها في الوقت المعاصر.
وكوادرنا الاستشارية السعودية المعاصرة في أحسن أحوالها محلياً وإقليمياً وعالمياً فلا يكاد يمر يوم دون سماع تمييز تلك الكوادر في المنافسة خلال المسابقات العالمية لجميع صنوف وقطاعات الصناعة والعلوم والاختراعات والابتكارات المختلفة، ولهذا فليس غريباً أن تحل تلك الكوادر والمكاتب الاستشارية المحلية محل الشركات الاستشارية العالمية لعلو قامة وتجربة وكفاءة تلك المكاتب لتكون هي الأساس والمحور للدراسات والاستشارات والخدمات بجميع قطاعاتها المختلفة بكل احترافية وثقة وعلم وتأهيل وحكمة وتجربة متعددة الخبرات شرقاً وغرباً، وبدلاً من أن تكون نسبة الأعمال الموكلة للمكاتب المحلية لا تتجاوز الـ 10 % نرى أنه حان وقت صعود تلك النسبة لمستويات أعلى نتطلع أن لا تقل عن 60 % على أقل تقدير وهذا يتوافق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 والتي ترى الزيادة والاكتفاء ما أمكن من منتجات المحتوى المحلي.
خامساً: لا أريد الدفاع عن أحد وليس مغزى ورقتي هذه انتقاد ما ذهب إليه الأستاذ عبدالوهاب الفايز في مقالته السابقة حول سلوك بعض الشركات الاستشارية العالمية، والشركات كما هو معروف يعتريها الضعف والمعاناة والتقهقر للخلف من تردٍّ وسوء خبرات مسؤوليها عبر الزمن وعدم مواكبة التحديث للعلوم والتكنولوجيا والتطبيقات الحديثة والتمسك بسياسة عدم التغيير، وهي حالة تطال جميع الشركات والقطاعات بشكل شامل، ولكن خدمات الاستشارات سواء محلياً أو دولياً هي (أمانة) إبداء النصح والمشورة وتقديم التطبيقات والدراسات المجربة والموثوق بنتائجها بشكل تم التأكد منه مراراً وتكرر تعدد تطبيقه في عدة جهات وأماكن إضافة الى اتباع المنهجيات والأبحاث المدروسة من قبل جهات أكاديمية ومعاهد علمية محترفة محايدة.
كما أن خدمات الاستشارات كثيراً ما تكون معتمدة على لوائح ونظم وأكواد واشتراطات معدة من جهات مختلفة لضمان الالتزام وتوفير الحد الأدنى المطلوب من شروط السلامة والأمن والاستدامة وحفظ الطاقة وحفظ الموارد.
ولهذا أقول إن المستشار مؤتمن وكلمته فصل في تخصصه وهو ثقة في مجاله حصل على هذا اللقب تعليمياً وتطبيقياً واحترافياً ونظامياً، ولا يمكن للمستشار إلا أن ينقل الصحيح والمجرب وفقاً للاشتراطات النظامية والفنية لتحقيق النتائج المطلوبة والتقليل من أي آثار سلبية ما أمكن.
سادساً: المستشار السعودي في كل التخصصات والمجالات المختلفة أثبت موقعه المتميز ومكانته العلمية والتأهيل العلمي والاحترافي بل تجاوز ذلك للمنافسة عالمياً لهذا نرجو ونتطلع أن يكون المستشار السعودي والمكاتب الاستشارية السعودية في مكان مناسب وقيادي لإسداء النصح والمشورة بخبرة وثقافة محلية عالمية تتسق مع ثقافتنا وفكرنا لتكون النتائج فوق الوصف والخيال وأكثر من التوقعات إن شاء الله، وسوف تكون الرؤية السعودية 2030 منطلقاً وقائداً وموجهاً للتوسع في تكاثر وشمول المحتوى المحلي ووصول المستشار السعودي والمكاتب الاستشارية السعودية لمواقع قيادية تستطيع من خلالها تحقيق الطموحات والآمال بنكهة وطنية جميلة دون أي منغصات فكرية وثقافية لا تتوافق معنا.
خلاصة: الكوادر الاستشارية السعودية والمكاتب الاستشارية السعودية رافقت تطور ونمو بلادنا العزيزة عبر العمل ضمن خدمات المكاتب الاستشارية العالمية من كل الجهات وواكبت النهضة العمرانية والتنموية وشاركت ضمن تلك المكاتب في المراحل الزمنية السابقة حتى أصبحت بالمستويات المرموقة والمشرقة ونهلت من خبرات التنفيذ والتطبيق والتجربة العملية من كل المشارب في مواقع العمل والمشاريع والمحافل الدولية وأصبحت ذات عمق إداري وفني وقانوني ومالي مميز يضاهي خبرات الكوادر العالمية الاستشارية إن لم يتفوق عليها كما نرى في نتائج المسابقات والمحافل الدولية، لهذا نتمنى إعطاء دورٍ قياديٍّ أكبر للمكاتب الاستشارية المحلية وكوادرها من المستشارين السعوديين لتكون نتائج الإنجاز مبهرة وذات نكهة محلية وعالمية مشتركة.
كما أتمنى على المكاتب الاستشارية السعودية بكل قطاعاتها وتخصصاتها المختلفة البحث عن فرص للنمو والترقي عن طريق الاندماجات والاستحواذات لتشكيل كيانات استشارية قوية تستطيع المنافسة والوقوف أمام بيوت الخبرات الاستشارية العالمية وخصوصاً وأن كعكة الـ 20 مليار ريال كحجم للإنفاق السنوي على قطاعات الخدمات الاستشارية تكفي الجميع.
تحياتي لجريدة الجزيرة وللأستاذ عبد الوهاب الفايز.