أمل واصل اليحيى
بما أني قد نذرتُ سنوات من عمري للعمل على أطروحة الدكتوراه في موضوع يتميز اجتماعياً بالجدل بقدر ما يتميّز بحثياً بالشغف وهو دراسة عدد من التجارب الشعرية المؤثّرة في مشهد الشعر الحديث بالمملكة العربية السعودية فقد حرصتُ على حضور الأمسية الأدبية التي نظّمها يوم الثلاثاء 10 أكتوبر 2020 منتدى الثلاثاء الثقافي بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وقد جاءت بعنوان «علي الدميني قراءة في التجربة الشعرية».
ولحسن الحظ فقد حضر، أمسية الوفاء المقامة للشاعر علي الدميني -رحمه الله - ثلّة من الأدباء والشعراء والذين كانت أعمال بعضهم تشكل جزءاً من موضوع عملي البحثي ومنهم رائدة قصيدة النثر بالمملكة والخليج الشاعرة د. فوزية أبوخالد والشعراء المجددين محمد الدميني، أحمد الملا محمد خضر طلالا الطويرقي، وكذلك الشاعر والناقد عبدالله السفر وآخرين وأخريات ومنهم خارج دائرة الشعر ولكن في قلب الثقافة الأديبة فوزية العيوني زوجة الشاعر علي الدميني والأديبة رجاء بوعلي مديرة الندوة والأستاذ جعفر الشايب صاحب المنتدى الثقافي وآخرون، بل جمع غفير من الحضور المثمن لتجربة الدميني.
وهذا مما أتاح لي لقاء أبطال أطروحتي من الشعراء وجهاً لوجه والإصغاء لهم لتعارف قد يفيديني مستقبلاً في استنطاق تجاربهم منهم شخصياً بجانب المصادر والأدوات الأخرى المساعدة والضرورية عادة لكل بحث علمي.
وقد تخللت الأمسية فقرات متنوّعة تركزت جميعها على الحديث عن تجربة الشاعر علي الدميني وعلى قراءة نماذج من شعره والحديث عن تجربته الشعرية. شارك فيها بكلمة جميلة الأستاذ حسن المدن والشاعر طلال الطويرقي كما كانت هناك مشاركة موسيقية من قصائد الشاعر للأستاذ محمد عبدالباقي والأستاذ عماد محمد.
وأود في هذا المقال أن أختار من بين القراءات التي تناولت تجربة الدميني الشعرية القراءة التي قدمتها الشاعرة فوزية أبو خالد نظراً لأنها جمعت بين الحديث عن الشاعر علي الدميني كإنسان وعن الشاعر علي الدميني كشاعر ومثقف بينت فيها عمق العلاقة الإنسانية التي ربطتها من خلال الشعر والكتابة بالشاعر علي الدميني كما تحدثت عنه كأب لعدد من الأبناء نجلاء وعادل وخالد وسوسن وكيف أنه كان من الآباء الأريحيين الذين لا يحبسون الأبناء في جلباب الأب وتناولت تقديسه للصداقة ومثالها كيف أنه كان وفياً للأصدقاء فعمل على جمع وتحرير جميع أعمال صديقه الروائي عبدالعزيز المشري وإصدارها في مجلدات -رحمهما الله - بعد وفاة عبدالعزيز لتطلع الأجيال التي لم تعش مع عبدالعزيز أوج عطائه الأدبي على جميع أعماله.
كما قدمت الشاعرة شهادة حيَّة تبرز ما تميّز به علي الدميني من خصال بوأته مكانة مرموقة في المشهد الثقافي والشعري السعودي. وقد أوجزت الشاعرة شخصية الدميني الإنسان والشاعر في التحلي بصفتين مهمتين: كونه مجدّداً ومثقفاً عضوياً.
ومن الملامح المميزة للشاعر علي الدميني التي ذكرتها الشاعرة عن الشاعر فردانية التجربة وتعدد مشاربها الثقافية مثل تجربته الروائية في روايته «الغيمة الرصاصية». وقد كان محتفياً بالحياة في مختلف أحوالها بالحزن والفرح والأصدقاء والأعداء والطفولة والنساء والحياة والموت، وكان الدميني أيضاً مخلصاً للثقافة التراثية وللثقافة الحديثة، إضافة إلى أنّه كان وطنياً محباً للوطن، ولكن دون أن يدفعه ذلك إلى الانغلاق في موقف إيديولوجي ضيِّق. ويمكن القول بعبارة محمود درويش إن الدميني كان في تجربته «مفرداً بصيغة الجمع».
وقد ختمت الشاعرة فوزية أبو خالد مداخلتها حول تجربة علي الدميني الشعرية بقراءة قصيدة من شعرها هي قصيدة «لم يرحل».
إن المتتبع للمداخلة التي قدمتها الشاعرة فوزية أبو خالد حول تجربة علي الدميني يلاحظ أنها مفعمة بالبعد الإنساني العميق وبالحس الشعري المرهف في الوقت نفسه، إذ استطاعت أن تقدم قراءة اختلط فيها الذاتي بالموضوعي، فجاءت شهادة حيَّة كشفت فيها خصال علي الدميني الإنسان، وجاءت كذلك رحلة تأملية أبرزت فيها ملامح تجربة شاعر مجدد ومثقف عضوي، ومن المؤكد أن هذه القراءة يمكن أن تكون مدخلاً توجيهياً لما ورد فيها من إلماعات نقدية تفتح آفاقاً واسعة لمن يروم دراسة تجربة علي الدميني والتعمّق فيها.
وقد كان ختام اللقاء مفاجأة الكلمة القصيرة المؤثِّرة والقصيدة المدهشة التي قرأتها زوجة الشاعر علي الدميني الأديبة فوزية العيوني وقد أعلنت الأديبة فوزية العيوني أن هذه القصيدة هي واحدة من مخطوطة شعرية لم تنشر أي من قصائدها بعد وقد تركها الشاعر وصية لديها لم تجرؤ على فتحها بعد ستة أشهر من انتقاله لرحمة الله إلا لهذه الليلة ليلة الوفاء للشاعر على الدميني.
وكما اختتم اللقاء بقصيدة للشاعر على الدميني كان اللقاء قد افتتح بفيديو من إعداد الشاعرة فوزية أبوخالد وتصميم وإخراج الشابة نورة أحمد آل داود به نخبة مختارة من قصائد الشاعر - طيَّب الله ثراه.