د.عبدالله بن موسى الطاير
تتصاعد وتيرة الحديث عن القنابل القذرة، وكأن القنابل النظيفة إن كانت مقابلة لها، أكثر رحمة بالبشر. ولأن الحرب النفسية تلعب دورًا في ميزان المعارك على الأرض، فقد لجأ الطرفان المتحاربان أو الأطراف المتحاربة في شرق أوروبا بداية إلى التلويح باستخدام الأسلحة النووية، وعندها نشطت روايات نهاية الحضارة الإنسانية، وتفشى الرعب في أوروبا تحديدًا بفعل الحقيقة الجغرافية التي لا مجال للبراءة منها.
وفي بوادر لاحتواء تعاظم الهلع، وسحب فرضية التدخل النووي في الحرب الدائرة، ولو مؤقتًا، استبدلت القنبلة القذرة بالنووية، وبدأ فصل آخر من الهلع يتفشى، لسببين، أولهما: الغموض الذي يحيط بالقنابل القذرة ومدى تأثيرها على الإنسان وقت استخدامها ومستقبلًا على الحرث والنسل، وثانيهما؛ أن فرضية الحرب النووية لم تتراجع كليًّا، وإنما تزداد الخشية من أن الأمر لا يعني سوى التدرج في التدمير الشامل.
يُعرف مركز السيطرة على الأمراض المعدية والوقاية منها في أمريكا القنبلة القذرة بأنها «مزيج من المتفجرات، مثل الديناميت، مع مسحوق مشع أو كريات، وعندما يُفجر الديناميت أو المكونات المتفجرة الأخرى، يقذف مواد مشعة إلى المنطقة المحيطة». ومع أنه لا تمايز في الشر، فإن الخبراء يفرقون بين القنبلتين الذرية والقذرة على أن القنبلة الذرية، مثل تلك التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي، تنطوي على انقسام الذرات وإطلاق كميات هائلة من الطاقة التي تنتج سحابة عيش الغراب (المشروم) الذرية، أما القنبلة القذرة فتعمل بشكل مختلف تمامًا ولا يمكنها إحداث انفجار نووي، فهي بدلاً من ذلك، تستخدم الديناميت أو المتفجرات الأخرى لنثر الغبار المشع أو الدخان أو أي مادة أخرى من أجل إحداث تلوث إشعاعي». ويكمن الخطر الرئيسي للقنبلة القذرة في «الانفجار الذي يمكن أن يتسبب في إصابات خطيرة وأضرار في الممتلكات، مع احتمال ألا تؤدي المواد المشعة المستخدمة في القنبلة القذرة إلى تعرض إشعاعي كافٍ للتسبب في مرض خطير فوري، باستثناء الأشخاص القريبين جدًّا من موقع الانفجار، إلا أن الغبار المشع والدخان المنتشر بعيدًا قد يشكل خطورة على الصحة إذا تم استنشاقه، نظرًا لأن الأشخاص لا يمكنهم رؤية الإشعاع أو شمه أو الشعور به أو تذوقه».
وعلى الرغم من أن القنابل القذرة باتت جزءًا من الخطاب السائد حول الأمن القومي للدول عندما أصبح واضحًا أن الشبكات الإرهابية الدولية مثل تنظيم القاعدة كانت تحاول الحصول على أسلحة دمار شامل لكنها لم تكن قادرة على الحصول على مواد انشطارية خالصة أو غيرها من المكونات والتكنولوجيا لبناء ذلك السلاح، فإنه لم يتم مطلقًا استخدام القنبلة القذرة، على الرغم من محاولات تلك الجماعات. لا يعني هذا تجاهل بلاغات عن محاولتين فاشلتين لتفجير مثل هذه العبوة الناسفة في مقاطعة الشيشان بجنوب روسيا قبل أكثر من عقدين، وبالتتبع، «عثر المحققون على مادة نووية يمكن استخدامها في قنبلة قذرة في مصنع مهجور في الشيشان».
يبدو لي أن الطفرة المزعومة في إنتاج أسلحة الدمار الشامل التي نتجت عن سباق التسلح لم تطور سلاحًا نوعيًّا قابلًا للاستخدام، بقدر ما استخدم الترويج لها لبناء سياج وهمي من الردع؛ فروسيا التي تعد واحدة من الدول التي قرأنا الكثير عن أسلحة دمارها الشامل النوعية لجأت إلى الطائرات المسيرة الإيرانية، كما أن نظيرتها التركية تلعب دورًا مهمًّا في المعركة على الجانب الأوكراني. وبالقدر الذي يدعو إلى الارتياح جراء استبعاد تلك الأسلحة المزعومة التي لا تبقي ولا تذر، يصبح الخوف مشروعًا من لجوء الروس أو الناتو للقنابل النووية التي لم تدخل أي حرب منذ عام 1945م، ولا أنوي التساؤل عن مدى فاعليتها بقدر تساؤلي عن مدى جاهزيتها للاستخدام من طرف أو آخر في الحرب الدائرة.
بين القنبلة النووية التي يفترض أن تنظف كل شيء على وجه الأرض، حتى الحضارة، كما يظن البعض، والقنبلة القذرة التي تسمم الإنسان والمكان على المديين القصير والمتوسط، يتأرجح الخوف في أوروبا ويتعاظم يومًا بعد آخر. المستغرب أننا حتى الآن لم نشهد رفضًا شعبيًّا للحرب على غرار حرب فيتنام مثلًا أو اجتياح العراق. فهل سيتدخل الشارع الغربي والأوروبي خاصة للعب دور في مستقبل الحرب؟ أم أن الدول المتورطة بعد أن تستنزف ستلوذ بالحوار؟ أم أن الدمار هو نهاية المطاف؟ كل الخيارات مطروحة.