عمر إبراهيم الرشيد
الأيام دول والدنيا دوائر، فمَن كان لديه أدنى خيال أو تصور أيام كان الإنجليز يحتلون شبه القارة الهندية ليتخيل أنه سوف يتولى رئاسة الحكومة البريطانية مهاجر هندي. هي ديمقراطية الانتخاب بلاشك وحق كل من يحمل الجنسية البريطانية، إنما السؤال البدهي هو هل لو كان هناك قيادات بريطانية إنجليزية تتمع بحنكة سياسية، هل كان بإمكان ريشي سوناك الفوز بمنصب كبير كهذا؟ وأترك الإجابة لكم!
ولقد شهدت لندن أسرع رئيس وزراء مغادرة لمقر الحكومة وهي ليز تراس بعد 44 يومًا فقط من توليها منصبها بعد فشل برنامجها الاقتصادي، حيث أخذ الاقتصاد البريطاني ينزف خمسة مليارات جنيه إسترليني في اليوم، ألم أقل إنها أزمة ندرة الشخصيات القيادية، ليس في بريطانيا فحسب، بل حتى في أمريكا وهي القوة العظمى، وهل شخصية جو بايدن إلا مثال على تراجع القيادات المؤثرة في أمريكا، فأين أمثال إبراهام لنكولن وفرانكلن روزفلت وآيزنهاور على سبيل المثال؟!
أتساءل هنا عن سوناك وهل سوف يكتب له النجاح في إدارة ملفات ضخمة كالاقتصاد والسياسة الخارجية؟ أشك في ذلك، وهاهو بدأ في التشدد تجاه المهاحرين - وكأنه إنجليزي غير مهاجر! - وينوي إنفاذ قرار الحكومة المؤجل بخصوص ترحيل أعداد من المهاجرين إلى رواندا في أفريقيا. والسبب بالطبع هو نفسي بالدرجة الأولى، فهو يريد إثبات أنه إنجليزي أكثر من الإنجليز أنفسهم، وهذا سر تحمسه لهذا القرار. هل كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما معتدلاً تجاه القضايا الإنسانية والتفرقة العنصرية مثلاً؟ لم يكن كذلك بل إنه انحاز مع إيران وإسرائيل ضد المنطقة العربية، كذلك عدا عن موقفه مع المثليين الشواذ، وهذه وغيرها كما قلت خشية الاتهام بنقص الانتماء أو ما هو مترسب في اللاوعي من تراكمات تاريخية اجتماعية نتيجة التمييز العنصري ضد بني جلدته الأمريكيين السود.
على أي حال دارت الدوائر على الإنجليز وها هو رجل من إحدى مستعمراتهم السابقة يحكمهم. لقد بدأ الهنود في الانتقام السلمي إن صح التعبير وعلى طريقة زعيمهم المهاتما غاندي، بدؤوا بتملك شركات بريطانية مثل جاكوار ورينج روفر وغيرها، وبإنشاء كيانات اقتصادية أصبحوا معها من أثرياء بريطانيا، حتى دخلوا مجلس العموم والوزارات ثم انتهوا إلى رئاسة الحكومة حاليًا. وسواء نجح ريشي سوناك أو لم ينجح في معالجة الاثتصاد والاستقرار السياسي، فإنه أخذ حق الهنود من الإنجليز، إنه انتقام التاريخ!