عبدالرحمن الحبيب
في حين أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية يزيد من التهديد الناجم عن الأخطار المتعلقة بالطقس والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم، فمن المؤسف أن الأشخاص الأكثر تعرضًا للكوارث التي تنشأ عن هذه المخاطر هم أقل قدرة على التعامل معها، مما يتطلب توجيه التدخلات لتعزيز الصمود والمرونة لهؤلاء، حسبما أظهر أحدث تقرير لاستطلاع المخاطر العالمية مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير والزلازل الصادرة من مؤسسة Lloyd›s Register البحثية، الذي تناول المقال السابق جزءاً منه وهنا الجزء الآخر.
توضح الدراسة أن تنسيق الجهود لتحديد المناطق والمجموعات السكانية حول العالم ذات الصمود والمرونة المنخفضة أمرٌ بالغ الأهمية لإدارة التهديدات العالمية، بما في ذلك الأخطار الطبيعية. في حالة عدم وجود تدخلات لتعزيز القدرة على الصمود بين الفئات الضعيفة، فإن الاضطرابات العالمية الناجمة عن الصدمات والضغوط مثل الأحداث المناخية القاسية أو تفشي الفيروسات ستستمر في إلحاق الضرر بشكل غير متناسب بالفئات ذات الدخل المنخفض أو الفئات المهمشة، مما يساهم في عدم المساواة الاقتصادية وزيادة مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعي.
تضمن الاستطلاع لعام 2021 مجموعة واسعة من المؤشرات في محاولة لقياس قدرة الناس على التعامل مع الصعوبات التي يواجهونها، أو قدرتهم على الصمود، عبر سؤال ما يقرب من مائة وستة وعشرين ألف شخص في 121 دولة ومنطقة عن تجاربهم مع الكوارث المتعلقة بالمخاطر الطبيعية وغيرها من أشكال الشدائد بما في ذلك الأمن المالي والدعم الاجتماعي والصحي والتعليمي والوصول إلى البنية التحتية الحيوية كالطرق والظروف الأخرى التي تتحد لتشكل الأساس للقدرة على الصمود.
أهم النتائج الرئيسية توضح أن أكثر من واحد من كل أربعة أشخاص في جميع أنحاء العالم تعرض لكارثة ناجمة عن نوع من الأخطار الطبيعية في السنوات الخمس الماضية؛ فيما كانت تجارب تلك الكوارث أكثر شيوعًا في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. كان التعرض للكوارث أكثر شيوعًا في البلدان ذات درجات المرونة والصمود المنخفضة. بشكل عام، ظهر ارتباط سلبي بين درجات القدرة على الصمود وحدوث الكوارث، فالدول التي قال فيها المزيد من الناس إنهم عانوا من نوع من الكوارث في السنوات الخمس الماضية كانت، في المتوسط، أقل قدرة على الصمود.
على الصعيد العالمي، قال 27 % من الناس إنهم تعرضوا لنوع من الكوارث في السنوات الخمس الماضية. كانت الفيضانات أو الأمطار الغزيرة هي السبب الأكثر شيوعًا، حيث تم تسميتها بنسبة 10 %، تليها الأعاصير (7 %) والزلازل (5 %). لم تتم تسمية أي نوع آخر من الكوارث بأكثر من 1 %؛ مثل حالات الجفاف (0.8 %)، وحرائق الغابات (0.7 %) والعواصف الرعدية (0.7 %).
في الشرق الأوسط، كانت الزلازل هي أكثر المخاطر شيوعًا، حيث ذكرها 19 % بشكل عام في المنطقة. ومع ذلك، يُعزى هذا الرقم بالكامل تقريبًا إلى نسب عالية في اثنين من أكبر التجمعات السكانية في المنطقة: إيران (36 %) وتركيا (23 %)، إذ يقع كلا البلدين على خطوط صدع نشطة تتحرك الصفائح الأرضية فيها بشكل متكرر. أما جنوب شرق آسيا فهي عرضة لعدة أنواع من الأخطار الطبيعية بسبب جغرافية المنطقة وموقعها في منطقة المحيط الهادئ غير المستقرة جيولوجياً. قال 15 % من سكان المنطقة إنهم تعرضوا لكارثة من الفيضانات أو الأمطار الغزيرة في السنوات الخمس الماضية، بينما قال 8 % إنهم تعرضوا لكارثة من الأعاصير و7 % من الزلازل.
البَلَدان اللذان كان يُرجح أن يقول الناس فيهما إنهم تعرضوا لكارثة في السنوات الخمس الماضية، هما الفلبين وأيسلندا، لكن كان لهما درجات عالية نسبيًا في المرونة والصمود. لذلك، على الرغم من أن أيسلندا شهدت نشاطًا زلزاليًّا مكثفًا في عام 2021 ، بما في ذلك 14 زلزالًا بقوة 5.0 درجات أو أعلى وأطول ثوران بركاني في 50 عامًا على بعد 25 ميلًا فقط من العاصمة ريكيافيك، كان عدد قليل من الآيسلنديين عرضة للأذى من الأحداث.
ختاماً، تواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم مخاطر طبيعية متصلة بتغير المناخ وتقلب الطقس سواء بشكلها الطبيعي أو من صنع الإنسان نتيجة التأثيرات الصناعية والاجتماعية والبيئية. أمام ذلك، يوضح التقرير أن حوالي نصف سكان العالم فقط سيكونون قادرين على حماية أنفسهم وأسرهم من تأثير الصدمات الطبيعية أو غيرها من الكوارث، بينما سيفتقر البقية للمرونة في حالات الكوارث.
يقصد بالمرونة على المستوى الفردي، قدرة الأشخاص على التعامل مع الصعوبات في حياتهم، أي القدرة على التعافي من الصدمات بسرعة أكبر، مما يساعد في التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية المناخية. هذه المرونة تعتمد على مجموعة من العوامل، بدءًا من السمات الشخصية الفردية والدعم من الأصدقاء والعائلة إلى نطاق المجتمع الأوسع مثل الوصول إلى الفرص الاقتصادية وبرامج شبكات الأمان الاجتماعي؛ وإذا كانت حالة البنية التحتية هي مفتاح هذه المرونة فإن التماسك المجتمعي (الذي ثبت أنه أحد أهم العوامل) كان أعلى في البلدان منخفضة الدخل منه في البلدان ذات الدخل المرتفع، حسبما أظهرت الدراسة.. تلك العوامل تساعد في تحديد أولويات التدخل بشكل أفضل لمنع الضرر أو تقليصه..