خالد بن محمد الشارخ
يُعدُّ آل محفوظ من قبيلة العجمان من أمراء الرس في السابق كما هو معلومٌ تاريخياً، ومن ذلك وثيقة بيع بلدة الرس بمنطقة القصيم من قِبل آل صقيه من تميم للعجمان وذلك عام 970هـ، وقد تتابعت إمارة العجمان لبلدة الرس حوالي أربعة قرون ونصف القرن، ومنها ما أقره الملك عبدالعزيز -رحمه الله- باستمرارهم بإمارة الرس عند توحيد هذا الوطن الغالي، ويُمكن أن تُعدُّ من أطول الإمارات العائلية في القصيم، وربما في نجد، لا سيما عند اعتبار المُلْكية إمارة كما هو حال كثير من البلدات.
وتُعدُّ (بلدة الشنانة) بقراها من أطراف الرس وتوابعها في الإمارة وغيرها، كما هي كتابات المؤرخين عن الرس وإمارتها، ولم تكن بلدة الشنانة ملكاً محدداً لعائلةٍ دون أخرى في سابق تاريخها أو لاحقه كذلك، حيث اشترك في تأسيسها وسكناها وزراعتها عائلاتٌ كثيرة من أُسر العجمان، والباهلي، والزهير ومنهم الصويان والعميري، وكذلك آل غيلان، والظاهري، وأسرٌ من بني تميم كالحميدان وغيرهم، وكان هؤلاء ممن عَمَرُوها مُبكِّراً مع العائلات الأخرى المعروفة في تاريخ البلدة وذلك قبل عام 1200هـ حسب روايات المؤرخين والمؤلفين ومنهم الأستاذ سليمان الرشيد، وذلك بقوله في كتابه (مساجد الرس وأطرافه:ج2/ص610): [منزلة الشنانة القديمة، وفيها مرقب الشنانة، وقد أسست في منتصف القرن الثاني عشر الهجري (1150هـ) تقريبًا].
وكذلك ما ورد في الكتاب المذكور عن أبرز سكان الشنانة قديماً قبل عام 1200هـ، ومنهم العجمان ومما قاله: [ومن أوائل الأسر التي سكنت الشنانة أسرة الشارخ الفوزان، والدهلاوي، وغيلان من شمر، وآل جنيزر من باهلة، وأُسر البغيليل، والضويان، والصويان من آل زهير من بني صخر، والظاهري من حرب]. كما أن سليمان الرشيد كتب كذلك في كتابه عن أبرز الأسر التي سكنت الشنانة وعَمَّرتها من العجمان وغيرهم بعد عام 1200هـ، ومما قال: [ثم بعد ذلك في الربع الأول من القرن الثالث عشر استوطنت فيها أسرة البلاع من الصيخان، والخليفة، والمساعيد، والسلومي، والقريش].
وكان هذا الإنشاء والتعمير للبلدة من خلال استقرار بعض الأُسر فيها وبَدْعِ بعض الآبار والمزارع المعروفة لهم، بل إن أشهر حلف بين أُسر الحاضرة ببلدة الرس آنذاك كان قد تم بين الشوارخ وعائلة الصويان (عائلتان قديمتان بالشنانة والرس ومن أهل الحل والعقد بالشنانة)، وعن هذا كتب الشيخ إبراهيم بن ضويان في (تاريخ ابن ضويان: ص37) بقوله: [ذرية شارخ الأول.. وحلفاؤهم من الجيران الزهير والريس والصيخان ذكرناه على سبيل المثال والاختصار]، ومن هؤلاء العوائل والأسر من آل محفوظ العجمان والتي كانت موجودة بالشنانة فيما قبل عام 1200هـ وفيما بعده: عائلة الدهلاوي، والشارخ، والرشيد، والرميح، والعلوان، والبلطان، وغيرهم، وهذا على سبيل المثال فقط.
فـ(الدهلاوي) تواترت وقفية سعد العبدالله الدهلاوي (1180هـ) بالشنانة، وكذلك ما عُرف بمزرعة الدهلاوي بالشنانة، وهي مذكورة في معظم مصادر وكُتب تاريخ الرس.
ومن الأملاك القديمة مُلْك إرشيد العبدالله الدهلاوي وأخيه ضُبَط المذكور في صُبْرةٍ بمُلك الغيلان القديم، ووجود صبرة في مُلك الغيلان تخص ضُبط كذلك يدل على أن الشنانة لم تكن للغيلان وحدهم وإنما كان معهم غيرهم، وآل عبدالله من الشوارخ هم من أحيا المكان المعروف باسم الملاذ (ملاذ العبدالله) في غرب الشنانة القديمة.
وكان (للشارخ) سكنى قديمة بالشنانة ومزارع مشهورة ومعروفة وسَكَنَها بعضهم آنذاك، ومن أبرزهم علي البراهيم السليمان من الشارخ، وهو ممن تولى إمارة الرس وأسهم في إحياء الأطراف كالشنانة والرويضة، ومنها ما أقطعوه وباعوه لخليفة بن منيع، وهي ما عُرف باسم «ظلما» فيما بعد ذلك، ومنها ما تواتر بالروايات مما عُرف بمزرعة الوسيطا للشوارخ، ومزرعة المصرقعية قبل أن تكون للعميري، وكذلك مزرعة الغيلانية التي انتقلت ملكيتها من آل غيلان للشارخ ثم باعها عبدالله بن شارخ نائباً عن أخيه فهد الشارخ إلى إبراهيم الطاسان وذلك عام 1269هـ، ومزرعة الغيلانية مما يُثبت الأملاك المتعددة ويؤكدها لكل من الغيلان والشوارخ بالبلدة، وبعض هذه المزارع كانت ملكيتها قبل عام 1200هـ وبعضها الآخر بعد هذا التاريخ، وممن سكن البلدة وعَمَرها من عوائل العجمان الأكرش والفوزان من المفيز.
وكان لأحد الشوارخ دورٌ في بناء المرقب «برج الشنانة» أو دور في إعادة بنائه، أو حالة الترميم التي احتاج إليها فيما قبل عام 1200هـ أو فيما بعد هذا التاريخ، وذلك حسب ما ورد من الروايات المختلفة التي تؤكد البناء قبل عام 1200هـ، ومن ذلك الروايات الرسمية الصادرة من إدارة الآثار في وزارة المعارف سابقاً، وكذلك ما صدر من وزارة الخارجية السعودية، إضافةً إلى تقرير قناة 24 الإخبارية السعودية، كما أن «مجلس الشارخ» بالشنانة معروف مكانه ومكانته ومشهورةٌ قصته كذلك بين عوائل الشنانة، وبين عموم رعاة بعض القبائل ممن يرتادونه أوقات الربيع.
ومن العوائل عائلة (الرشيد) ولهم مزارع كذلك بالشنانة، ومنها مزرعة محل الرشيد، ومزرعة المقطر للرشيد، وكان منهم أمراء وعلماء بالرس، والشنانة كغيرها من بلدات توابع الرس وأطرافه.
كما أن أسرة (الرميح) المفيز من آل محفوظ العجمان كان لهم سُكنى ومزارع بالشنانة القديمة، ومنها ما كان بالبلاعية مع البلاع، ومنها كذلك مزرعة محل العيص، وكان من أشهر من سكن الشنانة من الرميح، الشيخ رميح بن سليمان بن رميح (1257-1344هـ) والذي تخرَّج على يديه بعض العلماء بمنطقة القصيم، ولو كان للشنانة علماء أو رواد علم ووجهاء لكان هذا الشيخ من أبرز العلماء في تخريج التلاميذ والتعليم والدعوة، وكذلك ابنه عبدلله بن رميح الرميح (1305-1395هـ) والذي اشتهر بالتعليم والدعوة وكتابة أوراق توثيق المبايعات وما شابهها بالشنانة وغيرها، ويعدُّ الابن وأبوه من قدماء رواد التعليم بالشنانة والرس المسجَّلين في سجلات وزارة المعارف ضمن الموسوعة الصادرة من الوزارة، وحُقَّ للشنانة أن تفخر بهم وبأمثالهم كما ورد بالمقالات المتعددة عن رموز الشنانة وأعلامها المنشورة في صحيفة الجزيرة للدكتور محمد بن عبدالله السلومي.
وكان لعائلة (العلوان) من السليم الفوزان الشارخ من العجمان مزرعة معروفة باسم العلوانية بالشنانة.
وكذلك كان لأسرة (البلطان) من السليم الفوزان الشارخ من العجمان مزارع ومساكن، ومن أشهرها مزارع البلطانية التي أسسها محمد بن علي بن سليِّم من العجمان الملقب (بلطان) وذلك في عام 1284هـ، ومن مزارع السليم الفوزان مزرعة الفوزانية كذلك.
وهذه الأملاك والمزارع مما ثَبَتَ وتواتر بالوثائق والمبايعات، وورد في معظم الكتب المعنية بالرس والشنانة ومن آخرها كتاب (معجم أسر الرس) للشيخ محمد العبودي -رحمه الله-، وممن كتب عن هذا على سبيل المثال الأستاذ قبلان القبلان في كتابه (صفحات من تاريخ الرس: ج1/ص157): [ويتضح من هذه الوثائق بأن الشنانة ليست للغيلان وحدهم، وأنهم أول من سكنها، بل إن آل شارخ أهل الرس هم من أقدم من تملَّك في الشنانة، ولا يُستبعد أنهم هم أول من أنشأها، ومن ثم نزل عليهم الغيلان من شَمَّر كغيرهم من أفراد القبائل، التي تسكن الرس قديماً]، وقد سبق الإيضاح عن من سكن الشنانة وعمَّرها خاصةً عند تأسيسها.
ويضاف إلى ما سبق حول سكنى قبيلة العجمان للشنانة في زمن مبكر ومتأخر كذلك ما ورد في الوثيقة (المكتوبة) التي كانت مع الشيخ عبدالله بن بطاح الخزِّي، وفيها مما يخص الوجود المبكر للشنانة ذاتها، وما يخص عائلة الشارخ المحفوظي من العجمان، ومن ذلك ما ورد في نقاط هذه الرواية، وهي النقاط: الأولى والثانية والرابعة والخامسة:
الأولى: [ذَكَرَ عبد الله بن بطّاح الخزي أنّ الشنانة مأهولة ومسكونة من عدد من العوائل قبل عام1200هـ وبعده، ولا زالت أملاكهم موجودة معروفة وثابتة]. والثانية: [ذكر أيضاً أنّ مزرعة ظلما -وهي جزء من الشنانة- كانت للشوارخ من الرس، ثم انتقلت للخليفة]. والرابعة: [وقَفَ الشيخ الخزيّ شخصياً على ملك الشارخ وحدَّد موقع (مجلس الشارخ) ومزرعتهم الواقعة شمال شرق المرقب، والذي يحدها من الشمال بئر الشوارخ وكذلك بئر الظاهري وأملاكهما]. وكذلك ورد في النقطة الخامسة: [ذَكَرَ أيضاً أن الشارخ انتقلوا من الشنانة للمطية؛ بعد تَغيُّر الماء وملوحته وعدم مناسبته للزراعة، وحدّدوا مزارعهم هناك ووزّعوها بينهم].
والخلاصة أن الشنانة تُعدُّ عند تأسيسها قبل عام 1200هـ وما بعده من توابع الرس وأطرافه، وكانت إمارة الرس -ولا زالت- لأُسر العجمان من ذرية أبا الحصين حتى العصر الحاضر، وهو ما يجعل الوجود والحضور لأسر العجمان والإحياء الزراعي من قِبَلهم بالشنانة مع غيرهم أمراً طبيعياً بامتداد أسري وعشائري في الأطراف التابعة للرس.
وفي الختام أُقدم شكري وتقديري لكل من راجع هذا المقال العلمي عن هذا الجانب من حياتنا الاجتماعية سواءً من عائلة العجمان أو من غيرهم من المراجعين.
** **
- أستاذ في التربية والتعليم بمحافظة الرس ومهتم بالشأن التاريخي