د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تتمثَّل ظروف التدريس في أفعال المعلمين والمحتوى المعرفي الذي ينقلونه للطلاب ونشاط المتعلمين وأسلوب نقل المعرفة أو ما يُسمى طرائق التدريس، وقياس النتائج وفق المهارات المتحققة، ومراقبة تقدم الطلاب، فإذا ما أحيطت تلك الظروف بالعناية والتطوير المستمر فإن مهارة الاكتساب المعرفي وبناء المنظومة الفكرية المناسبة للتسبيب والحكم سوف تكون -بإذن الله - وفق المأمول منها.
وهناك مؤشرات لعدم كفاءة الواقع التربوي يتصدرها بُعد كثير من البرامج عن الانغراس الفعلي في ظروف التدريس المختلفة، وذلك لضعف تأسيس تلك البرامج أو لعدم واقعيتها ووضوح أهدافها، ناهيك عن اجترار بعض البرامج من خطط قد عفا عليها الزمان، وفي الحقيقة ومن المعلوم أنه لا تنقصنا برامج فقد احتشد بها الميدان حشداً وما ينبغي هو إعادة الهيكلة الفكرية ودراسة شاملة لأصول تلك البرامج ومردودها المباشر واستبعاد ما لا يُرجى نفعه وإن قلَّ، فالمدارس أصبحت كحاطب ليلٍ ضجر تجمع ما يقع تحت يدها سواء كان يتوافق مع حاجات الطلاب أم لا؟ والمهم ألا تُتَهم المدرسة بالتقصير.
فمن المؤسف أن تُغْلَق المطابخ التعليمية على فئات محصورة، وتنتهي العملية بوجبات قد لا تفي بالغرض ولا تسد الاحتياج ولا تحقق الطموح..
ولذا نأمل أن يلتفت معالي وزير التعليم في بداية عهده إلى الحوار المباشر جدًا دون وسيط مع قادة المدارس والمعلمين، فتسطيح ما تعانيه المؤسسة التعليمية الصغيرة (المدرسة) هو القضية التعليمية الأولى.
والمدرسة ليست منزلاً ولا مدينة، هي وسيلة لغاية نبيلة هي التعليم ولا بد أن تعمل بسكينة ووضوح للوصول إلى غاياتها، وعلى واضعي السياسات التعليمية التركيز على سمو مقاصد المدارس في حدود المعرفة العميقة فحسب! ونؤكد كثيراً أن المدارس تحتاج إلى إيقاع هادئ عند ضخ البرامج إليها! فكم نحتاج إلى ترشيد الجعجعة حتى لا يلفنا الضجيج!
وحيث إن التحول القوي في التعليم هو ما تستحقه بلادنا الغالية وأن عقول الأجيال ثمينة جداً ينبغي أن تمتلئ بالأسانيد القوية فيلزمنا إعادة تشكيل نظم الدعم التعليمي لاستحداث صيغٍ جديدة من التعلّم تحقق الدمج والمزج بين المعرفة والاتساق الاجتماعي..
وكل طرح حول التدريس وظروف المؤسسات التعليمية من المدارات الملتهبة تستلزم الكفاءة في القدرات الذهنية, وإدراك مآل الأمور، وأخذ الحيطة والحذر من أسباب الفشل, ثم الإحساس بالمسؤولية، وتصنيف الأولويات والوصول إلى أماكن المستهدفين دونما حشود أو جلبة.
وختاماً.. إن الوصول إلى وجدان أكثر من سبعة ملايين طالب وطالبة وثلثه من المعلمين؛ هو وصول إلى سماء هذا الوطن؛ الذي جعلنا نحلق في أجوائه مع العصافير والبلابل؛ كما هو وصول إلى أعماق قيادة عظيمة تربع إصلاح التعليم في أعماقهم فامتزجتْ بعطاءات متدفقة، ولتحقيق ذلك لا بد من مغامرة مختلفة.