إن البيعة في المُلْكِ السعودي بيعة دعوة سلمية، عمادها التوحيد والسمع والطاعة، لم يتنازعها عبر تاريخها الطويل نزاعات أو صراعات كما حدث في بعض الممالك والدول، إذ إن المُلْكَ وهو أعلى منصب في هرم الدولة لم يكن في يوم من الأيام مطلبا أو غاية من النفس، أو رغبة جامحة، أو لذة عابرة، إنما في تكوين بنية أساس المُلْكِ السعودي تكليف وقدر ومسؤولية وأمانة ثقيلة عظيمة الشأن.
والبيعة مصطلح ديني سياسي عرفه المسلمون منذ بيعة العقبة الأولى في مكة المكرمة، وما تلاها من بيعات على مر التاريخ الإسلامي، كما أن هذه البيعة لها أساس في دولة المدينة المنورة التي أسسها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه من بعده، وتشكل البيعة في مفهوم المُلْكِ السعودي منهج الحكم الإسلامي الواضح إذ يمثل عقدًا سياسيًا ملزمًا بين الحاكم والمحكوم والملك والرعية، وهي فكرة إسلامية عظيمة الشأن، وهي تعد رأس الشرعية، صيغة واضحة وصريحة للحكم، وقد احتفظ بها المُلْكُ السعودي منذ تأسيسه الأول وحتى يومنا الحاضر في دورة المُلْكِ السعودي منذ دخل الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ.. وهي الدولة الأوحد التي لازالت تحتفظ بهذا الركن الأساس منذ تأسيسها الأول كارتكاز وأساس للحكم والمُلْكِ على المستويين الديني والمدني. والرسول - عليه الصلاة والسلام - استعمل كلمة: (من في رقبته بيعة) مما يدل على أنها عقد بين الحاكم والمحكوم لا يشبه في مضامينه وبنوده العقود المدنية الحديثة، لأن البيعة بمثابة حبل معقود حول المبايعة، لا يجوز شرعًا فكه والتحلل منه إلا بشروط حددها الشرع الإسلامي، وقد بدأت أول بيعة تاريخية في الدولة الإسلامية الأولى بما يعرف باتفاق الدرعية بين الإمامين المحمدين: محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب، ثم استمرت البيعة لأئمة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة التي أسست هذا النهج بإعلان مراسيم البيعة بالإجماع دونما تأخير أو تعطيل أو اختلاف أو حدوث أية نزاعات أو صراعات، حيث يأتي الإعلان بعد إعلان نبأ ونعي وفاة الملك رسميًا وحتى قبل مراسيم تشييعه والصلاة عليه ودفنه.
واليوم نحتفل بالذكرى الثامنة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - والذكرى المائة وخمسة وعشرين في تاريخ البيعة لملوك المملكة العربية السعودية وفي تأصيل شرعي قائم في الأساس على شرعية الدولة، واختصاص مسؤوليات الحكم في أبناء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وأبناء الأبناء ويُبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، «حسب المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم».
ولقد شهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- جميع مشاهد البيعة لجميع ملوك المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك سعود حتى عهد الملك عبدالله باعتباره أميراً لعاصمة المملكة الرياض، مقر انعقاد البيعة في قصر الحكم العريق بمشاهد البيعة التي ليس لها مثيل أو نظير في التاريخ المعاصر والحديث منذ دخول الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - قاعدة ملكه وإعلان أول بيعة في التاريخ السعودي الحديث في 5 شوال 1319هـ، بين القيادة والقاعدة أساسها المحبة والتفاهم والانسجام والمودة والولاء وصدق الانتماء.
** **
- فهد بن عبدالعزيز الكليب