الجزيرة - الاقتصاد:
عكست نتائج الميزانية السعودية خلال النصف الاول من العام الجاري، وما حققته من فائض بلغ 135.4 مليار ريال مقابل عجز بـ 12.1 مليار ريال في نفس الفترة من العام الماضي، قوة الاقتصاد السعودي ومتانته رغم التقلبات العالمية الناتجة عن العوامل والظروف الجيوسياسية، فقد قفزت إيرادات ميزانية المملكة للنصف الأول من العام 2022 الى 648.324 مليار ريال، وبنسبة 43% عن إيرادات الفترة المماثلة من العام السابق التي كانت 452.867 مليار ريال، فيما ارتفعت المصروفات 10% الى 512.925 مليار ريال، مقابل 464.923 مليار ريال في النصف الاول من العام السابق. وبحسب بيان الميزانية حققت الميزانية السعودية فائضا بلغ 135.399 مليار ريال بنهاية الـ6 أشهر الاولى من العام الجاري، بدعم من الارتفاع الكبير في الإيرادات النفطية التي قفزت الى 434.063 مليار ريال، وبنسبة 75%، عن الفترة المماثلة من العام السابق التي كانت 248.726 مليار ريال. في المقابل ارتفعت الإيرادات غير النفطية الى 214.26 مليار ريال بنهاية النصف الاول 2022، وبنسبة 43% عن إيرادات الفترة المماثلة من 2021 التي كانت 204.14 مليار ريال. وأعلنت المملكة عن ميزانيتها للربع الثاني من العام الجاري 2022 بإجمالي ايرادات تبلغ 370.365 مليار ريال، ومصروفات بلغت 292.458 مليار ريال، وبلغ الفائض خلال الثلاثة أشهر المنتهية في 30 يونيو 2022 مبلغ 77.907 مليار ريال.
وبحسب وكالة «ستاندرد أند بورز» فإن الاقتصاد السعودي قادر على التعافي السريع من صدمات العام الماضي، مع تعافي الطلب العالمي على النفط وزيادة الاستهلاك الخاص. وأكدت الوكالة أن المملكة ستواصل في الأعوام المقبلة جهودها في تحقيق رؤية 2030، التي تهدف بشكل رئيس إلى دعم القطاع غير النفطي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي. فيما أكدت وكالة «فيتش» أن احتفاظ المملكة باحتياطي مالي كبير يوفر لها قدرًا جيدًا من المرونة لتيسير حاجات التمويل العام في حال عدم استقرار عائدات النفط، وأشارت إلى «أن الأرقام التي تضمنها بيان الميزانية العامة لعام 2022 تعكس سلامة السياسات المالية والإصلاحات الهيكلية التي قامت بها الحكومة السعودية في ظل رؤية 2030».
وقد اختطت المملكة مساراً وفق رؤية المملكة 2030 التي أعلن عنها في 25 أبريل 2016، شكل خطة لما بعد النفط، وهذا لا يعني التخلي عن النفط بل إن المملكة تدافع عن حصصها وعن أسعار النفط لدعم تحقيق رؤية المملكة، حيث تبنت رؤية المملكة مشاريع حكومية عملاقة بحاجة إلى ضخ أموال كبيرة جدا لتحريك عجلة الاقتصاد ودفع القطاع الخاص نحو الشراكة مع القطاع العام. ورغم أن فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط القياسي أثر في إيرادات الدولة، لكنه أعطى دفعة قوية جدا في أهمية مواصلة مسيرة رؤية المملكة 2030 واستثمار الفرص والتركيز على الأولويات الحيوية التي تسرع من تحقيق نقلة نوعية وسريعة جدا للتحول من العجز إلى مرحلة الفوائض. وما زالت المملكة تستند على احتياطيات صلبة حيث تمتلك أصولاً احتياطية كبيرة جدا وصلت إلى 1.67 تريليون ريال بنهاية يونيو 2021 مسجلة نموا بنحو 2 في المائة بما يعادل 32.9 مليار ريال، كما يمتلك صندوق الاستثمارات العامة نحو 1.5 تريليون ريال ويتوقع أن يصل إلى 4 تريليونات ريال في عام 2025، فيما بلغت ديون السعودية حتى الربع الأول من 2021 نحو 901.36 مليار ريال، ووفق وكالة ستاندرد آند بورز في 2021 أن الدين العام في الاقتصادات المتقدمة سيقفز إلى 134.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وجاءت السعودية بين أقل 30 دولة حول العالم في الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حيث يبلغ 32.5 في المائة عام 2020 وهو الأقل خليجيا بعد الكويت، رغم ذلك هي مستمرة في التركيز على ضبط الإنفاق لتحقيق استقرار الوضع المالي، وإن كان تحسن الوضع المالي للسعودية بفعل قفزة في الإيرادات مع زيادة إنتاج النفط وأسعاره. ويتوقع أن تتحول موازنات الدولة بداية من عام 2023 تحقيق فوائض مالية انعكاسا في الاستمرار في التوسع التنموي ودعم النمو الاقتصادي حتى تتمكن الدولة من تعزيز مفهوم الاستدامة المالية وتقوية الوضع المالي للمملكة في مواجهة التحديات المحلية والعالمية حتى لا تظل رهينة لتذبذب أسعار النفط ورهينة لدخل أحادي. وسيكون قطاع النفط أحد قطاعات الطاقة، وسيتحول أيضا إلى قطاع إنتاجي مستدام، ويمثل تعافي الأداء الاقتصادي نتيجة تعاف مستمر في أغلب الأنشطة الاقتصادية، مع توقع تعافي أسرع في بعض الأنشطة الاقتصادية التي ركزت عليها رؤية المملكة ستتجاوز مستويات ما قبل جائحة كورونا نتيجة مواصلة الدولة في الإنفاق على المشاريع الكبرى وبرامج تحقيقالرؤية بما يدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتيح مزيداً من الفرص أمام القطاع الخاص في قيادة الفرص الاستثمارية والاستمرار في خصخصة بعض الأصول والخدمات الحكومية وتطوير مشاريع البنى التحتية المدعومة باستثمارات صندوق الاستثمارات العامة من خلال استراتيجيته المعتمدة في تنمية القطاعات الاقتصادية المحلية. وذلك بعد أن كانت فوائض وعجز ميزانيات المملكة في السنوات الماضية مرتبطة بأسعار النفط وإيراداته، ما قلل من وجود قيمة مضافة للاقتصاد تدعم خلق الميزات التنافسية المعتمدة على المهارات والقدرات التقنية والتكنولوجية. وكانت التحليلات الاقتصادية للميزانيات الماضية قبل عام 2016 ترتكز على فوائض مداخيل النفط أو العجز في انخفاض مداخيل النفط، فمثلا التحليلات الاقتصادية كانت تشير إلى أن أكبر فائض للميزانية كان في عام 2008 حيث بلغ الفائض 581 مليار ريال، بارتفاع 75 في المائة عن عام 2007، وأيضا سجلت الميزانية السعودية من عام 2004 إلى 2013 فوائض نقدية تراوح ما بين 100 مليار إلى 400 مليار ريال، لكنه تراجعت إيرادات النفط فجأة في عام 2009 بأكثر من 50 في المائة لتصل إلى 434 مليار ريال بسبب انخفاض الطلب على النفط نتيجة الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، كذلك حققت الميزانية عجزاً خلال عامي 2001 و 2002 بسبب أزمة أحداث 11 سبتمبر 2001 نتيجة ما مني به الاقتصاد العالمي من ركود. وأيضا حققت ميزانية عام 2014 عجزاً بنحو 66 مليار ريال حيث بلغت الإيرادات 1044 مليار ريال، وكانت المصروفات 1110 مليارات ريال عندما كان متوسط سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل خلال أعوام 2011، 2012، 2013، سجلت الميزانية في تلك السنوات إيرادات من النفط تتجاوز التريليون ريال، بينما سجلت ميزانية عام 2020 عجوزات 294 مليار ريال، ويتوقع أن يسجل عام 2021 نحو 85 مليار ريال ونحو 52 مليار ريال في 2022 وتبدأ ميزانية عام 2023 بتحقيق فوائض ولكن هذه الفوائض ليست كما كانت في السنوات التي تسبق عام 2016. وتواصل الحكومة الجهود في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق وفورات مالية من خلال تمكين الجهات الحكومية من تبني أفضل الممارسات في كفاءة الإنفاق ودعمها بالتدريب والإجراءات والتحفيزات اللازمة لتحقيق المستهدفات، حيث تستهدف تحقيق وفورات مالية إضافية تقدر بحوالي 100 مليار ريال خلال الفترة من 2021 إلى 2025. وكانت المملكتستهدف تحقيق وفورات مالية بحوالي 200 مليار ريال في الفترة ما بين 2018 - 2023، بينما حققت فعلياً أكثر من ضعف هذا الرقم بحلول العام 2021 حيث حققت وفورات بلغت 502 مليار ريال، وذلك حتى الربع الثاني من 2021 فقط. ويتم العمل على إعداد استراتيجية لمنظومة الدعم والإعانات الاجتماعية تحتوي على التوجهات العامة وتحديد الأهداف الاستراتيجية وتوضح الأثر على المستفيدين وعلى المالية العامة، كذلك التوصيات الناجمة عن تحليل برامج الدعم والإعانات الاجتماعية.
وأكدت وزارة المالية أن العمل مستمر حالياً على مسارين أساسيين تعمل عليهما لجنة منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية وهما مسار السياسات والذي يشمل جمع البيانات وتحليل النظام وخصائصه والاستبيان لبرامج الدعم والإعانات، والإصلاح لتطوير التوصيات حيال البرامج. كذلك مسار الميزانية والذي يشمل مراجعة الميزانية وتركيز الإنفاق على الأهداف والأولويات الاستراتيجية. ومن المستهدف في عام 2022 وضع مؤشرات أداء وإصدار تقارير بخصوص التطورات والاتجاهات في الإنفاق الاجتماعي. ووفقاً لتوقعات وزارة المالية من المتوقع أن يواصل الاقتصاد تحقيق معدلات نمو جيدة في الأعوام الثلاثة المقبلة ليصل إلى 2.99 تريليون ريال في العام 2024.