المدينة المنورة - «الجزيرة»:
شكّل الاهتمام بالحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة الأهمية الأولى للمملكة العربية السعودية وقادتها منذ تأسيسها.
وفي ذكرى اليوم الوطني نستعرض أبعاد هذا الاهتمام بالحرمين والمشاعر المقدسة منذ عهد الملك المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وهو نهج سار عليه ملوك البلاد حتى هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، حيث يتابعان عنايتهما بالحرمين الشريفين والمشاعر من خلال زيارات ميدانية لمكة المكرمة والمدينة المنورة لمتابعة مشاريعها والعناية بها، وهو ما أكد استمرارية النهج الذي قامت عليه هذه البلاد منذ تأسيسها، وهو العناية والاهتمام بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، لتمكين الحجاج والمعتمرين من أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وفي أجواء مريحة، وهو ما يؤكده كل من زار هذه البلاد الطاهرة.
وتعد توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي درة الأعمال التي اضطلعت بها المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين، حيث يأتيان في مقدمة الاهتمامات الكبرى للمملكة، انطلاقاً من إيمانها العميق بشرف خدمة الأماكن المقدسة والإسلام والمسلمين، وابتغاءً للأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى، وتسهيلاً لأداء المسلمين مناسكهم وتوفيرًا للأمن والطمأنينة لهم.
وتتابع جميع الأجهزة المعنية بتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة المشروعات الحالية والمستقبلية، وأولها مشروع التوسعة السعودية للحرم المكي الشريف، حيث يتم استعراض مستويات الإنجاز وعناصر المشروع، والتطرق إلى ما يتم من جهود تنسيقية بين الجهات المختصة لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن. ويتابع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس أعمال الهيئة الملكية التي تهدف إلى الارتقاء والنهوض بكل الأعمال والخدمات، وإنشاء منظومة مستدامة تشمل في مخططاتها العنصر البشري والبنية التحتية والنسيج الاجتماعي بشكل عام، ويكون الحرم المكي والمشاعر المقدسة في قلبه.
وهو عمل كبير يؤكد مضي هذه البلاد -حفظها الله- بدورها الدائم لتوسعة وخدمة الحرمين الشريفين، وهي توسعة ذات انعكاسات متعددة على تنمية منطقة مكة المكرمة ككل ولها أثر إيجابي مهم لخدمة زوار المسجد الحرام، ويبدأ الأثر الإيجابي من الحرم المكي ولتشمل مجالات عدة على الصعيدين الاقتصادي والخدماتي، ويعد هذا المشروع الأكبر في تاريخ المسجد الحرام، وتشمل هذه التوسعة والعناصر المرتبطة بها، مليونين ومئتين وتسعة وستين ألف متر مربع.
الجدير بالذكر أن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة الكبرى للمسجد الحرام يشتمل على المكونات الرئيسة، وهي: مبنى التوسعة الرئيسي للمسجد الحرام، وتوسعة المسعى الذي افتتح سابقاً، وتوسعة المطاف والساحات الخارجية، والجسور، والمساطب، ومجمع مباني الخدمات المركزية، ونفق الخدمات، والمباني الأمنية، والمستشفى، وأنفاق المشاة، ومحطات النقل، والجسور المؤدية إلى الحرم، والطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام، والبنية التحتية التي تشمل محطات الكهرباء وخزانات المياه وتصريف السيول.
وقد دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان العديد من المشاريع الرئيسة، ومنها مشروع مبنى التوسعة الرئيسي، ومشروع الساحات، ومشروع أنفاق المشاة، ومشروع محطة الخدمات المركزية للحرم، ومشروع الطريق الدائري الأول، وتدشين ما تبقى من مشروعات، هي: مباني توسعة المطاف بكامل تجهيزاتها ومرافقها، وكذلك مباني المساطب، والمباني الأمنية، والمستشفى؛ ليقفز معها استيعاب المسجد الحرام إلى أكثر من مليوني مصلٍّ. هذا واشتمل المشروع على ستة أدوار للصلاة، و(680) سلماً كهربائياً، و(24) مصعداً لذوي الاحتياجات الخاصة، و(21.000) دورة مياه ومواضئ.
وتضمن المشروع إنشاء 78 باباً أوتوماتيكياً تغلق بالتحكم عن بُعد، تحيط بالحرم في الدور الأرضي فقط، كما يشتمل مشروع توسعة الحرم على أنظمة صوتية متطورة من خلال تزويد الحرم بأكثر من أربعة آلاف سماعة للصوت، هذا عدا عن كاميرات المراقبة المتطورة.
وحول المشروع العملاق قال الرئيس العام للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس: إن هذه التوسعة التاريخية تشمل المسطحات لكامل المشروع بمساحة (1.470.000) متر مربع، وبيّن أن المشروع يحتوي على أنظمة متطورة، منها نظام الصوت بإجمالي عدد سماعات يبلغ 4524 سماعة، وكذلك نظام إنذار الحريق ونظام كاميرات المراقبة بإجمالي عدد يبلغ 6635 كاميرا لكامل المبنى، وأنظمة النظافة كنظام شفط الغبار المركزي.
وأوضح أن المبنى يحتوي كذلك على مشارب مياه زمزم ضمن منظومة متكاملة مياه زمزم المبردة بإجمالي عدد مشارب زمزم 2528 مشربية؛ ما يوفر خدمات مميزة وأماكن للصلاة بالأدوار المختلفة والمناسيب المتنوعة لتأتي متواكبة مع تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين والزائرين الذين سيودعون بهذا المشروع التاريخي مشكلة الزحام للأبد -إن شاء الله-.
وأشار إلى أن تنفيذ هذه التوسعة تم بأفضل معايير التصميم والجودة، وبأعلى المواصفات العالمية، وأجود خامات البناء والخرسانة والحديد، وتم تزويده بأفضل وأحدث الخدمات والأنظمة الميكانيكية والإلكترونية، وتم تطويع كل الإمكانات المتاحة من كل مكان ليتبوأ هذا المسجد الأكبر مكانته، وليلبس أحلى حلته تعظيماً لشعائر الله فيه.
واشتمل المشروع على تنفيذ أكبر توسعة لصحن المطاف، التي يسرت للحجاج والمعتمرين أداء شعيرة الطواف، وحقق قفزة ونقلة نوعية في مستوى منظومة الخدمات التي تقدمها الدولة- وفقها الله-، للمسجد الحرام وقاصديه، ولم يقتصر على استيعاب مضاعفة أعداد الطائفين، بل تجاوز ذلك إلى جودة وتنوع الخدمات التي وفرها المشروع المبارك، فضلاً عن تلبية الفراغات الداخلية ومسارات الطواف لكل المتطلبات الوظيفية والتشغيلية لجميع المستخدمين، بما في ذلك كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة، من خلال منظومة حركة مستقلة ومتكاملة، فأصبح يتسع إلى (105) آلاف طائف في الساعة.
وتأتي هذه الخطوة المباركة امتداداً لما تميزت به هذه البلاد منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- بحرصها وعنايتها الشاملة وحرص قيادتها على تحمل مسؤوليات شرفها بها الخالق جلت قدرته وهي خدمة المقدسات الإسلامية وزوارها من حجاج ومعتمرين وتوفير أفضل سبل الراحة لهم، وكان للملك المؤسس قصب السبق في هذا المجال، حيث وجّه بتوفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين، وبدأ في تنفيذ أول توسعة للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما وفر -يرحمه الله- العديد من الخدمات لراحة الحجاج والعمّار، وهو نهج سار عليه قادة هذه البلاد منذ تأسيسها.
المسجد النبوي الشريف
وفي المدينة المنورة يحظى مشروع توسعته وتطوير المسجد النبوي الشريف وتطوير المناطق المحيطة به باهتمامات مكثفة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، امتداداً لاهتمامات ملوك هذه البلاد -رحمهم الله-، حيث زار -رعاه الله- المدينة المنورة عدة مرات، ووقف على آخر مراحل هذا المشروع الذي يحظى باهتمامات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله-، وشمل مشروع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي الشريف وتطوير المناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى المشاريع المتزامنة مع مشروع التوسعة، التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي المدينة المنورة وزوارها.
مما يجدر ذكره أن المرحلة الأولى من التوسعة يتم تنفيذها الآن في الجهة الشرقية من المسجد النبوي الشريف، حيث يتم تنفيذ الأعمال الإنشائية للبنية التحتية، وكانت وزارة المالية قد انتهت من حصر نحو 10 آلاف عقار من المقرر نزعها لصالح المشروع، وتعتبر هذه التوسعة أكبر توسعة يشهدها المسجد النبوي على مدار تاريخه الممتد منذ 14 قرناً والذي من المتوقع أن تصل طاقته الاستيعابية بعد الانتهاء من المشروع إلى ما يقارب 1.5 مليون مصلٍّ.
شهد المسجد النبوي الشريف الذي بناه رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بيديه الشريفتين في السنة الأولى من الهجرة بعد قدومه إلى المدينة المنورة مهاجرًا من مكة المكرمة، نحو (10 توسعات) متعاقبة، أكبرها جرت في عهد الدولة السعودية، وكان أول مكان جرت إنارته بالمصابيح الكهربائية عام 1327هـ.
وتتميز التوسعة الكبرى للمسجد النبوي بمواكبتها لأحدث المواصفات في كل ما يتعلق بالتوسعة، خصوصًا فيما يتعلق بخدمات الزوار والمعتمرين مثل دورات المياه والسلالم الكهربائية وتوفير مظلات حديثة، فضلاً عن وحدات تكييف بأعلى المواصفات ومصاعد لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
رؤى المدينة
وضمن مشاريع التطوير المستمر التي تشهدها المدينة المنورة أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة -حفظه الله- إطلاق أعمال البنية التحتية والمخطط العام لمشروع «رؤى المدينة»، في المنطقة الواقعة شرق المسجد النبوي الشريف، الذي تطوره وتنفذه شركة رؤى المدينة القابضة، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة التي تعنى بالتطوير العقاري في المدينة المنورة، حيث يأتي المشروع تفعيلاً لجهود الصندوق الهادفة لتطويرالقطاعات الواعدة تماشياً مع رؤية المملكة 2030.
وأكد سمو ولي العهد - حفظه الله - أن المشروع يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في رفع الطاقة الاستيعابية لتيسير استضافة 30 مليون معتمر بحلول عام 2030 وسيتم تنفيذه على أعلى المعايير العالمية، ما يعكس حرص المملكة على الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بالمدينة المنورة بوصفها وجهة إسلامية وثقافية عصرية، كما أشار سمو ولي العهد - حفظه الله - إلى أن المشروع سيقام على مساحة إجمالية تقدر بـ 1.5 مليون متر مربع، حيث يستهدف إنشاء 47 ألف وحدة ضيافة بحلول عام 2030، إضافة إلى الساحات المفتوحة والمناطق الخضراء التي تيسر وصول الزوار إلى المسجد النبوي الشريف، إذ سيتم تخصيص 63% كمناطق مفتوحة ومساحات خضراء من مساحة المشروع.
ويتميز المشروع الذي تم تصميمه وفق أعلى المعايير العالمية؛ بالعديد من الحلول المتكاملة للنقل وتشمل 9 محطات لحافلات الزوار، ومحطة قطار مترو، ومسارا للمركبات ذاتية القيادة، ومواقف سيارات تحت الأرض، وذلك بهدف تسهيل تنقل الزوار إلى المسجد النبوي، بما يسهم في دعم النشاط السكني والتجاري، وكذلك توفير العديد من فرص العمل. ويهدف المشروع للارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بالمدينة المنورة كوجهة إسلامية وثقافية عصرية، حيث يعتمد على آليات التخطيط الحضري الحديث ومفاهيم التطوير الشامل والبنية التحتية المتطورة التي تقدم الخدمات المبتكرة، بما يسهم في تحسين جودة الحياة ويعزز سبل الراحة والرفاهية وبالتالي إثراء تجربة سكان وزوار المدينة المنورة، حيث سيعزز مستوى الخدمات المقدمة لهم، ويرفع الطاقة الاستيعابية الفندقية وجودة الخدمات شرق المسجد النبوي الشريف.
وتطمح رؤى المدينة القابضة في المساهمة في تحقيق مستهدفات قطاع الحج والعمرة والزيارة وفق رؤية المملكة 2030، وذلك من خلال مشاريعها الهادفة لإثراء تجربة زيارة مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإحياء عبق التراث الثقافي والمعماري للمدينة حيث راعت في تصاميم المباني والمرافق الصورة الحديثة المستمدة من تراث المدينة المنورة بكل تفاصيلها، واحتضانها للعديد من المعالم التاريخية التي تفوح بعبق النبوة وإرث الصحابة الكرام. وتتماشى استراتيجية شركة رؤى المدينة القابضة مع جهود صندوق الاستثمارات العامة لتمكين القطاعات الحيوية الواعدة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.