د. عبدالحق عزوزي
يشكل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني العشرين الذي افتتح الأحد 16 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي يشارك فيه 2296 مندوبًا من جميع مناطق البلاد، حدثًا بارزًا لأنه فرصة للرئيس شي جينبينغ للترشح لولاية ثالثة على رأس البلاد تدوم خمس سنوات أخرى، وهذا أمر غير مسبوق منذ وفاة ماو تسي تونغ، في عام 1976.
وكان الحزب الشيوعي الصيني، الذي أُسِّسَ في 1921، أعلن منذ مدة أنه استكمل العملية الانتخابية لاختيار المندوبين في هذا المؤتمر. ويتوقع أن تنبثق عن هاته المحطة، لجنة مركزية جديدة، وتغييرات على مستوى مسؤولي المكتب السياسي، الذي يعد مطبخ صنع القرارات الخاصة بالسياسة الصينية.
ويشترط في المندوبين المشاركين في المؤتمر أن يكونوا منخرطين في التوجه السياسي للرئيس شي جينبينغ، وأن يلتزموا بالقانون الداخلي للحزب، الذي يعتبر بمثابة دستور التنظيم.
وعلى مدى عقد من الزمن، نجح شي جينبينغ في إضفاء نوع من الرمزية حول شخصيته، وهو ما لم تعرفه الصين من ذي قبل منذ الرمزية التاريخية التي كانت تحيط بمؤسس النظام ماو تسي تونغ، حتى إن المدارس باتت تدرس ما تعتبره «فكر شي» للتلاميذ؛ وقد بسط الرئيس سيطرته حتى الآن على ثلاثة أجهزة مهمة للسلطة في الصين هي: الجيش وجهاز الدعاية والأجهزة الأمنية.
كما أنه في عهد نجاح شي جينبينغ، تمكنت الطبقة الوسطى من التكاثر، إذ تم انتشال ملايين الصينيين من براثن الفقر، حيث تمتعوا بمتوسط نمو سنوي قدره 6 في المائة، كما تشير التقديرات اليوم إلى أن ما بين 350 و700 مليون شخص ينتمون اليوم إلى الطبقة الوسطى بعد أن كانوا حوالي 15 مليونًا في بداية القرن.
صحيح أن مؤتمر الحزب يمر في وقت يواجه فيه شي جينبينغ رياحًا عاتية معاكسة، واقتصادًا يواجه صعوبات دولية وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة وسياسة «صفر إصابات كوفيد» الصارمة التي عزلت الصين بشكل متزايد عن العالم، ولكن مع ذلك فإن دولة الصين هي قوة اقتصادية بامتياز؛ وقد استطاعت فهم العولمة والارتماء في مبانيها بذكاء ونجاح؛ فالدولة ليست بدولة ذات طابع «دعوي» تسعى إلى تصدير نموذجها التاريخي، كما فعلت وتفعل الدول الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اللتين تسعيان إلى تصدير النموذج الغربي زاعمة أنه لا يمكن تحقيق أي نجاح دون المرور وامتلاك ليس فقط نموذجها الفكري والمجتمعي والثقافي بل وأيضًا نموذجها الاقتصادي والسياسي؛ فالصين، مادام أن أراضيها ومصالحها السيادية لا تمس بسوء، كانت ولا تزال دولة قائمة في سياستها الخارجية على عدم التدخل، والعمل بهدوء وعدم إثارة المشاكل، وتمؤسس لقاعدة مفادها بأن أي نجاح اقتصادي تحققه دولة، لا يعني ضرورة فشل الآخر أو حمله على الفشل في إطار ثنائية»صديق-عدو» وإنما في إطار «رابح-رابح» win-win
كما أنه منذ سنوات، تقوم الصين بإنشاء طرق حرير جديدة؛ وقد بدأت مغامرة أول طريق للحرير مع ماركو بولو قبل نحو 1000 عام؛ وبمرور السنين، أصبح هذا البرنامج الاستثماري الضخم في البنية التحتية بمثابة السياسة الكبرى للدولة... وقد نجح الرئيس الصيني في إقناع العديد من دول العالم على النسخة الحديثة لهذا الممر الاقتصادي والتجاري. ويقوم العملاق الصيني بتغيير الخريطة الاقتصادية العالمية على جميع الأصعدة، من الحوكمة العالمية إلى القواعد التجارية مرورًا باحترام البيئة وعمليات الاستثمار، من خلال توظيفه استثمارات كثيفة في جميع أنحاء العالم.
ويتكون مشروع بكين الطموح من قسم بري، ويتمثل في إنشاء وتمويل سكك حديدية بين الصين وأوروبا، وقسم بحري، يتمثل في استثمارات في عشرات الموانئ عبر العالم لتيسير التجارة الصينية.
ففي القارة الإفريقية مثلًا، لا تبني الصين طرقًا فقط ولكنها تُكون صداقات وتحالفات عسكرية، وتعتمد هناك على الاستثمار في بناء رأس المال الاجتماعي والبشري،ثم إنه رغم الأزمات الدولية المتتالية، فإن الصين تمكنت من بناء أكبر أسطول بحري في العالم، وأعادت هيكلة أكبر جيش محترف، كما طورت ترسانة نووية وبالستية قادرة على منافسة عدة دول نووية مجتمعة؛ واقتصاديًّا، تحولت الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.