يوسف العوفي
ليس ثمة مرجف ومشكك بائس وقبيح يبتلي شريعة الثناء ويُجزع مزية الإبداع والإنجاز أكثر من الحسد، خاصة ذاك الحسد المتنكر بقناع الرأي، والمتعذر بهدافة النقد، والمتشيم -ادّعاءً- بالصراحة وعدم المجاملة؛ ذاك الذي يحتمي وطيسه، ويثور رهجه بين الأقران وذوي المهنة نفسها، والعلم والتخصص الواحد، ويكون في غير ذلك، لكنه في تحاسد الأقران أعم وأكثر وأرذل وأقذر!
والحسد سخيمة وبغيضة لا يخلون طبع وقلب امرئ منها، لكن ذا المروءة والقلب النقي لا تبرح قلبه، بل يقاومها ويقهرها بالفرح لأخيه، والثناء على منجزه، وما امتدحه الناس فيه، بينما البائس ذو القلب المعلول، يتصارع في قلبه حسدُه مع قيم الخير البليدة فيه، ليغلب حسدُه فيبث نتانته في منجز الفرد أو المؤسسة أو الوطن على هيئة رأي ووجهة نظر، محاولاً الالتفاف على منجز غيره، والتصدي لنقده، والتشكيك فيه، فقط لأنه من صنف أولئك الذين لا تهنأ قلوبهم بنجاح غيرهم، ويبتغون النجاح حكراً عليهم، بينما هم فشلة مُحبَطون بسوء حسدهم، وقد صدق عليهم إبليس ظنه، وصدق عليهم قول الشاعر: لله در الحسد ما أعدله... بدأ بصاحبه فقتله، وعناهم من قال: الحسد داءٌ منصف، يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود! فإذا ما رأيت منجزاً لصديقك أو قريبك أو حتى مؤسسة أو وطن، ونازعك حسدك تهنئته أو الثناء على منجزه، فقارع شيطان حسدك، وبادر بالثناء والتهنئة فإن فيهما غلبتك، وإعمال قيمك، وبيان مكنوز فضائلك، فضلاً عن الوداد وتعميق المحبة التي تصنعها في قلب أخيك، واعلم أنك بهذه الشيمة الخلوقة ترفع شأنك بمنجز غيرك، بينما الحاسد يستوهن قدْره بمنجز محسوده، ويستوهم فشله حتى يصير حقيقة..
وهذا لا يعني أن تتوقف عن النقد الهادف وتمنع رأيك الحصيف في تقييم الأمور وتقويمها لكن بعقل راشد، وقلب نقي، ومستهدَف محق وفاضل.