رمضان جريدي العنزي
التهريج حركات تمثيلية هزلية ساخرة مبالغ فيها، ليست بجدية، وفيها تشويش واضطراب وإضحاك، والمهرج يلبس الأقنعة المختلفة، ويظهر بأكثر من وجه وحالة، من أجل اللهو والإضحاك وإضاعة الوقت، من غير فائدة ولا مردود إيجابي يعود بالنفع على الآخرين، والمهرجون في المناسبات والمحافل أصبحوا كثيرين كغثاء السيل، ولهم أشكال وألوان وأطوال وأوزان مختلفة ومتنوعة، ومستعدين تماماً «للاستهبال»، وإظهار أنفسهم بصور مهينة وغير لائقة بالإنسان العاقل السوي، ووفق صور بائسة بعيداً عن الوقار والاتزان والركادة والهيبة، لقد أصبح المهرجون يحتلون مساحات واسعة من واقعنا، تواجدوا في كل شأن ومجال وميدان، الأعجب أننا نجد من يصفق لهؤلاء المهرجين يصفر لهم ويشجع، في كل مجتمع من المجتمعات يوجد مهرجون، باعثهم الأساسي التسويق للنفس بأي طريقة كانت، وبأي شكل وصورة، غير عابئين بردود الأفعال والنقد والهجاء، بعضهم يقدم نفسه بأكثر من لقب، وبأكثر من صفة، وفق هراء وخلط وخرط وتخليط و»تمقيس»، وبترهل كلمات، وفضاضة معاني، وخواء منطقي، وأسلوب متجذر بالأمية والتخلف، وغوغائية وجلجلة واستعراض باهت غير مشوق، في واقعنا الحالي انكشفت الأقنعة، وذاب الثلج، وبان المرج، حتى رأينا الكثير من المهرجين المتخفين وراء ستار التقية، يظهرون بشكل واضح وجلي، وبتنا نعرفهم ونشاهدهم علانية وفق مسرحيات الدجل التي يؤدونها بشكل احترافي ومهني، اللافت أن هناك من يتباهون بهؤلاء المهرجين ويحتفون بهم ولا يستغنون عنهم، ولهم الحظوة عندهم والتقدير، رغم أنهم يفتقرون للطرح القيم المبني على أسس حقيقية وصحيحة، راقية وسليمة، إننا فعلاً نعيش أزمة تهريج يصنعها نماذج سيئة للبحث عن نجومية مزيفة، إن التهريج ربما يحقق شهرة، لكنه لا يحقق إنتاجًا؛ ولا يمنح فائدة، إن المهرجين استغلوا كثيرًا من المناسبات والمحافل والمنابر الإعلامية المختلفة لطرح ما يحلو لهم، دون أن يكون ما يقولونه منطقيًّا، أو له قيمة أو مردود جيد، ما عندهم فكر ناضج، ولا مشروع ناجح، غير الهرف والتنظير الممل، والكلام الباهت، مع وجود تناقض كبير بين ما يقولونه وينظّرون به وما يفعلونه في الحياة الشخصية والعامة؛ يقولون الشيء ويعملون بنقيضه؛ الهدف الحقيقي من ذلك إيهام الآخرين بأنهم مهمون ومؤثرون حتى ولو كان ما يقولونه لا قيمة له ولا مضمون، ولكي تصبح الحياة بهية نقية جميلة، ذات فائدة وعطاء ونمو، وازدهار، يجب أن نلفظقوة كل من جعل التهريج صناعة للشهرة المزيفة، والارتقاء المشبوه، على حساب المبادئ والقيم، ولا نفسح له المكان والمنبر والمحفل لكي يتقيأ التهريج، ويقذف السمع والبصر بتلوث بشع ومخيف.