محمد سليمان العنقري
الاقتصاد السعودي هو الأكبر في الشرق الأوسط ويتميز بإمكانات ومقومات جعلته الأفضل والأعلى نمواً لهذا العام بين دول مجموعة العشرين، إذ يتوقع أن يحقق نسبة نمو تقارب 8 % في الوقت الذي تعاني أغلب الاقتصادات العالمية من تراجع بالنمو وضغوط تضخمية، ويبرز بشكل واضح اتحاه المملكة للاستفادة من الحالة الصحية الإيجابية بالاقتصاد الوطني من خلال إطلاق البرامج والمبادرات التنموية التي توفر فرص عمل ضخمة وتجعل السوق جاذباً أيضاً للعمالة الوافدة المؤهلة، وتماشياً مع هذا التوسع بسوق العمل تقوم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتحديث المستمر لأنظمة العمل حسب حاجة السوق ليكون مواكباً للنهضة التنموية بالمملكة ومتافساً عالمياً لجذب أفضل الكوادر الأجنبية مع التحول للاقتصاد الرقمي والمعرفي والاعتماد على التكنولوجيا الجديدة، إصافة لتصحيح مسار السوق وتعزيز سمعته ومكانته الدولية.
ومواكبة لأهداف رؤية 2030 أجرت الوزارة تحديثاً للضوابط والإجراءات الخاصة بانقطاع العامل عن العمل في منشآت القطاع الخاص، وذلك ضمن سعيها لتحسين العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل لحفظ الحقوق التعاقدية بين كل الأطراف وزيادة جاذبية ومرونة سوق العمل، وبذلك يُعَدُّ هذا الإجراء أحد أهم التحديثات التي تكمل ما سبق صدوره حول التغيير بالعلاقة التعاقدية للعمالة الوافدة مع أصحاب العمل، وكذلك ضمن جهود المملكة في حماية حقوق الإنسان. وبالنظر إلى ما تم من تحديثات فقد حددت الضوابط الجديدة لانقطاع العامل عن العمل لتكون وفق إجراءات واضحة وميسرة، فبعد أن يتقدم صاحب العمل بطلب إنهاء العلاقة التعاقدية بسبب انقطاع العامل عن العمل تسقط تلقائياً بيانات العامل الوافد من المنشأة وتصبح حالته «منقطع عن العمل»، وذلك في أنظمة الوزارة حيث لا يتحمل صاحب العمل الحالي أي مترتبات على العامل، وهي مسألة في غاية الأهمية للمنشآت وتعكس بشكل جلي التغيير الذي طرأ على نظام العلاقة التعاقدية، فالرابط هو عقد العمل بين الطرفين والإبلاغ عن انقطاع العامل يسقط هذه العلاقة تماماً، واستكمالاً للإجراء الأول ولإضفاء المرونة بالسوق فقد أقرت الضوابط الجديدة حق العامل وخلال مدة (60) يوماً للانتقال إلى صاحب عمل آخر أو الخروج النهائي، أما في حال مضي (60) يوماً دون أن يتخذ العامل الوافد أحد هذه الخيارات، ستتحول حالة العامل الوافد إلى (متغيب عن العمل) في أنظمة الوزارة والأنظمة المرتبطة بها. ووفق هذا الإجراء فإن من شأن ذلك أن يقلص كثيراً من نسب العمالة المخالفة بعد أن أتيحت لهم الفرصة وفق الشروط والضوابط بالتحديث الجديد لتبقى عمالة نظامية وتنتفع من خبرتها منشأة أخرى.
ولم يقتصر التحديث الجديد على من ينقطعون عن العمل بعد صدور هذه الإجراءات، إذ أوضحت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن العمالة الوافدة ممن لديهم بلاغات تغيب قبل تاريخ هذا التحديث، سيتم السماح لأصحاب العمل بنقل خدماتهم لمنشآتهم في حال كانت حالتهم (متغيب عن العمل)، ويتم نقل رسوم المقابل المالي المتأخرة على سجل العامل إلى صاحب العمل الجديد مع اشتراط موافقته على ذلك عند نقل خدمات العامل إليه، وفي حالة عدم استكمال نقل خدمة العامل الوافد خلال (15) يوماً من تاريخ موافقة الوزارة على النقل ستعاد حالة الوافد إلى (متغيب عن العمل)، فهذا الشمول لمن عليهم بلاغات سابقة سيكون له أثر مهم في تصحيح أوضاع العاملين المشمولين بهذا الإجراء مما ينعكس إيجاباً على سوق العمل في حركة العمالة وتلبية احتياجات المنشآت لها. فمن المتوقع أن هذه المرونة ستسهم كثيراً بتيسير أعمال المنشآت سواء بعدم مسؤوليتها عن من ينقطع عن العمل فور تقديم الطلب من قبل المنشأة عن انقطاعه أو يسر نقل العلاقة التعاقدية لمنشآت أخرى بحاجة للعمالة أو تصحيح الحالات السابقة، فالانعكاس إيجابي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والتنظيمية.
سوق العمل في المملكة يعد من الأفضل عالمياً ويجذب الملايين له من مختلف الجنسيات والمؤهلات لما فيه من تنظيم وتطور مستمر مدعوماً بتنمية مستدامة وحالة اقتصادية إيجابية. وهذه الإجراءات التي أقرت هي ضمن جهود الوزارة الساعية لحماية حقوق العاملين وأصحاب العمل في سوق العمل السعودي، كما أنها استمرار لمبادرات الوزارة التي تصدر بين فترة وأخرى لبيئة عمل صحية، ومن أبرزها مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية، ونظام ودي للتسوية الودية، وبرنامج حماية الأجور بهدف الوصول إلى أفضل الممارسات والأنظمة والتشريعات بالسوق، فرأس المال اليشري ركيزة في التنمية ووجود بيئة صحية يعمل من خلالها سيعزز من إنتاجية العامل مما ينعكس بنهاية المطاف على الاقتصاد والمنشآت العاملة فيه وبكل تأكيد العاملين، كما أنه من باب التطور والانتقال للتعامل الرقمي مع الخدمات فإن الوزارة تقدم خدماتها رقمياً وهو ما يوفر الجهد والوقت على الجميع والذي يشمل التحديثات الجديدة أيضاً.