علي الخزيم
قال الشاعر الأردني غازي الجمل بقصيدته قِف شامخاً:
نحن الذين إذا وُلِدنا بُكرةً
كنَّا على ظهر الخيول أصيلا
لماذا لم يَقُل على ظهور الدبابات أو حاملات الطائرات، أو نُدير الغواصات؟ تأمَّلتُ البيت من القصيدة؛ وانتقلت بخيالي إلى تاريخ العرب ومصادر فخرهم وعناصر قوَّتِهم التي ما زال أحفادهم يتناقلونها ويتوارثونها ويُنَمّونها بعزة وفخار، ومنها الجياد وكرام الخيل، حيث الأصالة والشَّمم، والرشاقة والجمال، وفيها الوفاء والإخلاص لصاحبها.
والعرب قاطبة خير من عرف خصال الخيل وكَرَمها وعنفوانها، وتتماهى سجايا الخيل مع كثير من سجايا العربي، يقول عنترة:
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى
وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
لم يبق للخيل إلا أن تُحَدّث صاحبها, وهذا الفارس الشاعر جعفر بن خالد بن كلاب يعتز بفرسه حُذْفَة فيقول:
فمن يَكُ سائلاً عني فإني
وحُذْفة كالشَّجا تحت الوريد
أسويها بنفسي أو بجزءٍ
فألحفُها ردائي في الجليد
وتراث العرب الشعري زاخر بأفصح وأبلغ القصائد فخراً بخيولهم وإكراماً لها وإعزازاً لمكانتها عندهم؛ فهي الذخيرة والمقتنى الذي لا يباع ولا يعار، ويُقَدَّم كثيراً على النفس والولد، ومن يهينها ويهملها يَصِمُونه بالوضاعة والهوان وسوء التدبير، وكان مؤشر قوة القبيلة عندهم عدد الخيول الأصيلة التي يملكونها من ذوات الأنساب والسلالات العربية العريقة الأصيلة، وتجدر الإشارة إلى أن مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة بالرياض أحد أهم القطاعات والمراكز العربية والعالمية العاملة المهتمة بهذا الشأن الهام، قال أحد فرسان العرب:
إذا ما الخيل ضيّعها أناس
ضممناها فشاركت العيالا
نُقاسِمُها المعيشةَ كلَّ يوم
ونُلبِسُها البراقعَ والجِلالا
وأبدع فرسان العرب وشعراؤهم قديماً وحديثاً بوصف خيولهم وصفاً دقيقاً حتى أنهم جسَّدوا حركاتها وهَمْهماتها وأنفاسها وانعطافها ورشاقة وقع حوافرها وأجزاء أجسامها بما يُعَد من أعظم التراث الثقافي العالمي، ومما أدهش من اطَّلع عليه من الأقوام الأخرى وحبَّب إليهم اقتناء الأفراس العربية الأصيلة، وتطربك قصائد امرؤ القيس بالوصف ومنه:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة
وإرخاء سرحان وتقريب تتنفل
كما برع عنترة بوصف الأدهَم ومنه:
ما زلتُ أرميهم بثغرة نَحرِه
ولَبانِه حتى تسربَلَ بالدمِ
وللتذكير ببعض أشهر خيول العرب ما كان للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومنها السَّكب ولزاز، والمُرتجز وذلك لحُسن صهيله، وللزبير بن العوام اليعسوب، ومن أشهر خيول خالد بن الوليد السرحان، والتأريخ دوَّن شهرة أشهر الخيول العربية الأصيلة كداحس والغبراء، والفرس (الأطلال) لبكر بن شداخ وجاءت شهرتها من مناوراتها العجيبة بمعركة القادسية الشهيرة، ومن أكرم خيول العرب الحرون وتغنّوا بها شعراً، وهي أصل نسب الخيول بعهد يزيد بن معاوية ومن أشهر سلالات نتاجها الحموم، وسيظل الجواد العربي أكرم الحيوانات وأعرقها، وستبقى الفروسية من أجَلّ مآثر العرب ومفاخرهم، ويؤكد هذا عنترة إذ يقول:
أتقي دونه المنايا بنفسي
وهو يغشينا صدور العوالي
فإذا مت كان ذاك تراثي
وخصالاً محمودة من خصالي