غالب الذيابي
تمر الأيام مسرعة حاملة معها مستجدات الأحداث لتنسينا هذه الطرفة، تمر وكأنها تمتطي صهوة الجن، لتكشف قناع الأعداء وتميط اللثام عن وجوه الغدر، فيظهرون على الحقيقة وكأن الدنيا تغرز فيهم الأحداق وتلتف إليهم الأعناق، فيصبحوا في عمق شتات الأمر يحاولون استيعاب النتائج واستدراك الأخطاء، لكن هيهات. فالشدائد لم تزدهم إلاَّ خسارا، بل أفادتنا نحن ولو لم نستفد منها إلا معرفة الصديق من العدو لكفى، ورحم الله الإمام الشافعي حين قال في وصفها:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيرٍ
وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن
عرفت بها عدوي من صديقي
متى يعلمون أننا أسياد القيم حينما يبيعها الآخرون؟ فلو خالنا الأشرار أننا نروح ونغدو على مسالك السياسة بنهج الوسطية فلا يظنون أنهم سبروا أغوارنا أو أدركوا غاياتنا. فو الله لم يبلغوا منها العشر، زد على ذلك أن من محاسن الزمان أنه أسدى لنا صفات الحيطة والحذر التي لا يمكن لممسك بزمامها أن يعض أصابع الندم، فسبحان من خصنا بخبرة لجم الطامع وكبح جماح الغادر قبل أن يقطفوا ثمار الدسائس والخسة.. إنها فطنة عظيمة وإدراك سياسي بعيد المدى اتصفت به قيادتنا الراشدة منذ نشأتها.
وحين تعود بنا ذاكرة الأحداث إلى ما قبل الدولة السعودية، نجد أن بلاد الحرمين قبل حكم آل سعود كانت أشبه ما تكون بلقمة سائغة سهلة على الأعداء وفي المقابل كانت إحدى جاراتنا وقتئذ إمبراطورية، فلو شاءت شمطاء الشرق آنذاك ابتلاعنا لفعلت، لأننا بلا حاكم. لكن الله أعمى بصيرتها فسبحان الذي يختم على القلوب ويعمي الأبصار، فمن فضله جل شأنه أن اصطفى لنا أسرة راشدة لملمت شتات الأرض وجمعت الكلمة وألفت بين قلوب الناس، وما بلادنا تحت هذا الحكم الرشيد إلا عزيزة شامخة، عصية لا تخشى كائن من كان.
وها هي القريحة كعادتها لا تستأذن في مثل هذه الحال.. إنها ترقب متى أنهي المقال لتبدأ.
السعودية على مر السنين
طود في وجه العواصف ثابته
وردة تسقى بحب المسلمين
في قلوب أمة محمد نابته
دونها الشجعان مروين السنين
صانعين المجد قبل كتابته
علموا عدوانها علم اليقين
من حربها خابت أمٍ جابته