خالد بن حمد المالك
تمَّ الاتفاق بين إسرائيل ولبنان على ترسيم الحدود، على أن يصادق الجانبان عليه غداً، وقد حال هذا الاتفاق دون لجوء إسرائيل إلى عدوان جديد مدمِّر للبنان، كما حفظ وجهَ أمين حزب الله ومقاومته من أن تكشف إسرائيل حقيقة ما يُسمى بالمقاومة التي ظلَّ حسن نصر الله يزايد بها لترهيب اللبنانيين.
**
ليس هذا هو المهم، إذ ما يعنينا في هذا الاتفاق أنَّه تم اعتراف بيروت بإسرائيل دولةً لها حدودها مع لبنان باعتراف لبناني صريح باركه أمين حزب الله وحماس الفلسطينية، وكأنَّه أيضاً اعتراف حماس بالدولة الإسرائيلية، خلافاً لما يدَّعيه التنظيمان من أنَّ إسرائيل إلى زوال.
**
الأهم من ذلك أنَّ من كانوا يجاهرون بأنَّهم ضد التطبيع مع إسرائيل، ويندِّدون بإقدام الإمارات والبحرين على ذلك، ها هم الآن يعترفون بحدود إسرائيل مع لبنان، وها هما المؤيِّدان لهذه الخطوة (حماس وحزب الله) يتسابقان أيُّهما الأسرع للإشادة بهذا الاعتراف بينما كانا يطلقان عليه العدو الإسرائيلي المغتصب.
**
حاولت الرئاسة اللبنانية مدعومة من حزب الله أن يكون الاعتراف عن بُعد، وعن طريق الوسيط لتبادل أوراق الاتفاق للتمويه من أنَّ لبنان لم يعترف بإسرائيل، وأنَّ الاتفاق على ترسيم الحدود لا يعني الاعتراف بها، وهو ما تقوله كل الدول الأخرى، من أنَّ الاعتراف لا يعني إسقاط حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
**
الفرق بين إدِّعاء لبنان، وتمويهها المكشوف، وبين الدول الأخرى، أنَّ ميشيل عون وحسن نصر الله يتلاعبان بالكلمات المخادعة، وينكران ما هو حقيقة، وإن كانت من تحت الطاولة، بينما الدول الأخرى تُعلن على الملأ حقيقة موقفها من إسرائيل، وفي المقابل تصميمها في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
**
التطبيع إذا كان يقود إلى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على أراضي ما قبل حرب 1967 فأهلاً به، أما ترسيم الحدود بالأسلوب الذي تم بين إسرائيل ولبنان فهو اعتراف لا يخدم سوى إسرائيل، وقد تمَّ تحت الضغط الإسرائيلي، وتهديدها بالويل إن لم توافق بيروت عليه.
**
ومثل ما ظلّ إلى اليوم يدَّعي حسن نصر الله بأن معاركه مع إسرائيل انتهت بانتصاره وهزيمة إسرائيل، سيظل يدَّعي هذا اللبناني العميل لإيران وإسرائيل، بأن ترسيم الحدود تم بفعل مقاومته للعدو، وخوف هذا العدو من 100 ألف مقاتل لدى حزب الله جاهزين لتدمير إسرائيل كما يقول في تهريجه وكلماته.
**
هذا الاعتراف بين إسرائيل ولبنان على ترسيم الحدود البحرية أبعد شبح الحرب على لبنان، وحماها من الضربات الإسرائيلية الموجعة، وكشف عن عمالة حسن نصر الله لإسرائيل بعد أن كنا نرى أن عمالته محصورة بنظام الملالي في إيران، فإذا بها عمالة مزدوجة للدولتين.
**
والرئيس اللبناني ميشيل عون هو الآخر لم يكتفِ بما ألحقه من أضرار بلبنان واللبنانيين، وما خلَّفه عهده من فساد وفقر، وعلاقات متوتِّرة مع داعمي هذا البلد الجميل، وإنَّما أراد أن ينهي فترته في أسبوعه الأخير بهذا الاعتراف، كأهم إنجاز سيظل يتباهى به.
**
الأيام القادمة ستكون حُبلى بالمشاكل في لبنان، فبعد هذا الاعتراف لا رئيس للبلاد، ولا حكومة تديره بعد فراغ قصر بعبدا من ساكنه، فيما يمر مجلس النواب بخلافات وصراعات سوف تعطِّل انتخاب رئيس للبلاد في الفترة القادمة.
**
إذاً فقد تم الاعتراف بإسرائيل دون ثمن للبنان، أو مصلحة تساوي هذا العمل للرئيس ميشيل عون بمباركة أمين حزب الله حسن نصر الله، هو اتفاق في البداية والنهاية لمصلحة إسرائيل، ومن يقول غير ذلك فهو لم يقرأ إفرازات هذا القرار على مستقبل الدولتين.