فضل بن سعد البوعينين
دخلت احتجاجات إيران أسبوعها السادس، منذ مقتل الشابة مهسا أميني على يد الشرطة، بالرغم من القمع الأمني العنيف الذي يمارسه أفراد الحرس الثوري، وقوات الأمن الإيرانية. لا محظورات في مواجهة الاحتجاجات، فالذحيرة الحية من بين الخيارات المتاحة لرجال الأمن، إضافة إلى وحشية الحرس الثوري في تعامله مع المحتجين.
ليست المرة الأولى التي يثور فيها الشعب الإيراني لأسباب مختلفة، ويبقى تدهور الاقتصاد، الفقر، نقص الخدمات الأساسية، الفساد، وتمويل الإرهاب واستغلال الموارد المالية لتمويل أذرع إيران الإرهابية في الخارج، برغم الفقر الذي يعم البلاد، المحرك الرئيس للاحتجاجات التي امتدت هذه المرة لتعم البلاد وتشمل قطاع الأعمال، العمال، الجامعات، المعلمين، وغالبية شرائح المجتمع.
انهيار العملة المحلية، وبلوغ التضخم مستويات قياسية غير مسبوقة لا يمكن التعايش معها، إضافة إلى القمع المجتمعي، واستئثار قادة الحرس الثوري، ورجال الدين بثروات البلاد باتت من مغذيات الاحتجاجات التي تحولت إلى ثورة شاملة هدفها إسقاط النظام.
لم يعد الاقتصاد الإيراني يتحمل العقوبات المفروضة عليه. الانخفاض الحاد في التدفقات المالية بسبب الحظر النفطي أدى إلى ظهور عوار الاقتصاد الذي يحاول النظام إخفاءه بتوزيع الاتهامات خارجياً، والادعاء بالاستهداف المنظم للاقتصاد والشعب الإيراني من قبل قوى خارجية. بات النظام غير قادر على توفير السلع الأساسية، في الوقت الذي بدأ فيه التجار في التحايل لإخراج الكم الأكبر من أرصدتهم إلى الخارج، وأصبح الشعب غير قادر على توفير الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية، إما بسبب الندرة أو التضخم وحالة الفقر العامة.
تسبب النظام الإيراني بسياساته المدمرة في تجفيف احتياطيات البنك المركزي، ما أحدث ضرراً كبيراً بالاقتصاد، وانعكس بالتبعية على الشعب الإيراني. عدم قدرة البنك المركزي على إعادة بناء الاحتياطيات من العملات الصعبة زاد من أوجاع الاقتصاد الإيراني، وشل حركته، وأدى إلى انهيار الريال وتسجيله أسعاراً قياسية غير مسبوقة.
نقص الإيرادات، ونفاد الاحتياطيات النقدية، وصعوبة تغطية الواردات أمر يزيد في معاناة الاقتصاد والشعب الإيراني ويسهم في تغذية الاحتجاجات الشعبية.
كل الدلائل المحسوسة تشير إلى انهيار تام للاقتصاد الإيراني، الذي لن يتجاوب مع عمليات الإنقاذ التي تسعى بعض الدول الموالية للنظام الإيراني في ترتيبها، تحت غطاء اتفاقات إطلاق سراح محتجزين غربيين، أو شراء سلع صورية بمليارات الدولارات. فما يعاني منه الاقتصاد الإيراني هو وجود نظام الملالي، ومرجعيته الفاسدة، التي بددت ثروات البلاد على مغامراتها الثورية، وإرهابها المنظم، وأفقرت الشعب في مقابل إثراء الملالي وقادة الحرس الثوري، وزعماء التنظيمات الإرهابية في الخارج.
انهيار الاقتصاد، التضخم، انهيار العملة المحلية، تفشي الفقر، البطالة، ونضوب السلع؛ وربما العجز عن دفع الرواتب والأجور، وحالة التخلف التي تشهدها إيران مقارنة بدول الخليج المجاورة التي تتمتع بأعلى معدلات التنمية والرخاء والأمن والاستقرار، سيغذي الاحتجاجاات الشعبية، و الثورة على النظام، وسيضمن استداماتها.
الاقتصاد بات سيفاً مسلطاً على رقاب ملالي إيران؛ وهو مفجرهم من الداخل لا محالة، وإن نجح الحرس الثوري في إخماد الاحتجاجات الحالية، فشعلة الثورة ستبقى مشتعلة حتى تتمكن من إحراق النظام وكل من ساهم في بقائه خلال العقود الماضية.