منصور ماجد الذيابي
أعلنت روسيا مؤخرًا أن انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي سوف يؤدي مباشرة إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة إذا ما تم العمل بموجب ميثاق حلف الأطلسي الذي ينص على قيام الدول الأعضاء في التحالف بالانخراط عسكريًا في الحرب دفاعاً عن أي دولة عضو في التحالف, وهو ما تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أنها ستكون حينئذ مُلزمة بالدفاع عن أوكرانيا ضدّ قوة صاروخية روسية عظمى كانت هدّدت باستخدام كل ترسانتها العسكرية لمواجهة حلف الأطلسي إن اتخذ قراراً بالتدخل عسكرياً في الصراع مع أوكرانيا، الأمر الذي يثير المخاوف الدولية من استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي في الحرب على أوكرانيا التي لا زالت تتحمّل لوحدها أعباء مقارعة ومقاومة هجوم الجيش الروسي المدجّج بأخطر أنواع الأسلحة رغم طلبها رسمياً الانضمام العاجل لعضوية حلف الأطلسي أملاً بمشاركة القوة العسكرية للحلف إلى جانبها في هذه الحرب التي أرهقت كاهل القوات الأوكرانية وأسفرت حتى الآن عن سقوط مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء, وتدمير البنية التحتية, واحتلال أربع مناطق أوكرانية كما أوضحت في المقال السابق بعنوان «لوغانسك ودونيتسك وزابوروجيا وخيرسون في قبضة روسيا», فضلاً عن ضم جزيرة القرم في عام 2014.
لقد أدّت السياسات الخاطئة وشاءت الأقدار أن تكون أوكرانيا مسرحاً للصراع بين القوى العظمى التي طالما أكدت على حقوق الإنسان وتحقيق السلام, وتغنّت بالديموقراطية وعزفت على وتر الحرية, غير أن الهجمات على المدنيين والمنشآت المدنية, والتدخل في الأزمات الإقليمية والنزاعات الحدودية بين الدول النامية إنما يؤكد زيف هذه الشعارات لكثير من الدول الغربية والدول الشرقية المتقدمة تقنياً.
ولذلك أرى أن العالم لن ينعم بالسلام والاستقرار الذي كان سائدًا خلال حقبة ما قبل العصر الجاهلي طالما استمرّت الدول الكبرى في سباق التّسلح و غزو الفضاء وتخصيب وإنتاج المواد الكيميائية الإشعاعية الخطيرة على حياة البشرية جمعاء.
من الواضح أن التحالف الغربي لا يريد التورط في مواجهة عسكرية مرعبة مع روسيا وإنما يريد الاكتفاء بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا, وبتقديم الدعم العسكري المتمثل في منح أوكرانيا منظومات دفاع جوية متطورة رغبة منها في إطالة الحرب إلى المدى الذي يمكن عنده إعلان روسيا التراجع أو الانسحاب تحت ضغط العزلة الدولية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية, وتدهور الحالة المعيشية كما أوضحت في مقالات سابقة بعنوان: «صراع الكبار» و»نُذر الحرب بين القطبين المتنافسين», إلا أن بعض المحللين يعتقدون بأن روسيا ربما تلجأ لاستخدام السلاح النووي في حالة خسارتها المعركة مع أوكرانيا.
وفيما ترى أمريكا أن حرب روسيا على أوكرانيا غير مبرّرة سياسيًا وأمنيًا, فقد اعتبرت أوروبا أن الحرب على أوكرانيا بمنزلة حملة روسية على الديموقراطية والنظام الدولي وبالتالي لا بد وفقاً لهذه الاعتبارات من الاستمرار في مواجهة روسيا اقتصاديًا وسياسيًا إلى أن تتراجع عن مطامعها التوسعية على حساب المواقع التي تتواجد فيها قواعد عسكرية لحلف الأطلسي بالقرب من حدود روسيا مع أوروبا الشرقية. وهو ما تعتبره الصين مبرّرًا لمخاوف روسيا الأمنية.
وعمومًا أتساءل من هذا المنبر الصحفي عمّا إذا تفكّر دول العالم بالعمل على وضع رؤية إستراتيجية للتوافق والتشاور حول اتخاذ قرارات جماعية تتبنّى إجراء ترتيبات اقتصادية واحتياطات أمنية معينة لمواجهة أي تداعيات محتملة لنشوب حرب عالمية نووية تهدّد في حال وقوعها حياة شعوب العالم على كوكب الأرض, وتقوّض جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام في مناطق الصراعات المسلّحة, وتعيد تشكيل خارطة العالم, وتسهم في انهيار النظام المالي العالمي.
إن ما يحدث اليوم في الحرب الروسية على أوكرانيا إنما يذكّرنا بقانون الغابة قديمًا حيث كانت الأسود والنمور تتنمّر وتتمرّد على المخلوقات الأخرى لبسط هيمنتها بقوة المخالب والأنياب، ما يعني وفقًا لهذا القانون الحيواني أن من لا مخالب له اليوم ولا أنياب سيكون يومًا ما ضحية لمن يتباهى بقوة أنيابه وطول مخالبه إن لم يتم تقليم المخالب وخلع الأنياب التي تشكّل تهديدًا مروعاً للسلام وشبحاً مخيفاً للأمن والاستقرار.