د. معراج أحمد معراج الندوي
كان محمد إقبال شاعر الشرق وشاعر من شعراء الإسلام، قضى حياته في صراع مع العصر الحاضر، وقد كفر بالحضارة الغربية والفلسفة المادية، وقد كان له فضل كبير في إشعال الجمرة الإيمانية، والحب الدفين الكامن للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، لقد عاش مدة حياته في حب النبي صلى الله عليه وسلم، والأشواق إلى مدينته، وتغنى بهما في شعره الخالد.
لم يقدر له الحج وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه رحل إلى الحجاز المقدس بخياله القوي، وشعره الخصب العذب، وقلبه الولوع الحنون، وحلق في أجواء الحجاز، وتحدث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بما شاء قلبه وحبه بكل إخلاص ووفاء، وتحدث إليه عن نفسه، وعن أمته، وقد فاضت في هذا الحديث قريحة الشاعر، وانفجرت المعاني والحقائق التي كان الشاعر يغالبها ويمسك زمامها، فكان شعره في النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أبلغ أشعاره، وأقواها، وكان حشاشة نفسه، وعصارة عمله وتجاربه، كان تصويرا لعصره وتقريرا عن أمته، وتعبيرا عن عواطفه.
لقد تخيل الشاعر بأنه مسافر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، يهوي به العيس، ويسير به الكرب على رمال وعساء، يتخيل بشدة شوقه وحبه أنها أنعم من الحرير، وأن كل ذرة من ذراتها قلب يخفق، ويرفق بهذه القلوب الخفاقة، فتثور أشجانه، وتترنح أعطافه، وتهيج شاعريته، وتنطلق قيثارته بشعر رقيق بليغ.
قام الشاعر في عالمه الخيال بهذه الرحلة الحبيبة، وتوجه إلى مدينة الرسول رغم شيبه وكبر سنه، وأنشد الأبيات في سرور وحنين، ولا عجب فإن الطائر يطير في الصحراء طول نهاره، فإذا أدبر النهار وأقبل الليل، رفرف بجناحيه، وقصد وكره ليأوي إليه ويبيت مع أهله.
بدأ الناس يتساءلون: من هذا الأعجمي الذي يغني ويحدو لغة لا نفهمها؟ ولكنها نغمة تشجي القلوب وتملؤها إيمانا وحنانا. لقد وقف الشاعر أمام الرسول وقام بواجب الاجلال والتكريم، وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم كما شاء حبه واجلاله، وكما شاء علمه وإيمانه، ولا يلبث أن يذكر أمته المسلمة، والشعب المسلم الهندي، يذكر آلامها وآمالها ويقول: هذا المسلم البائس، لقد فقد مع الأيام لوعة القلب واكسير الحب، فقدت عينه النور، كما حرم قلبه السرور، إنه يحمل القلوب، ولا يعرف المحبوب، لا يحمل دمعة في عينه، ولا لوعة في قلبه.
شكا الشاعر عصره ومجتمعه في حزن وألم وقال: «إني احترق بنار شوقي وحبي، وأستغرب أني خلقت في عصر، لا يعرف الإخلاص، ولا يعرف سوى المادة والأغراض، في عصر لم يعرف لوعة القلب، ولم يذق لذة الحب.. أعيش وحدي، وأغني وحدي، وقد أتحدث إلى نفسي وأخفف من أشجاني وآلامي.. أشكوا إليك يا رسول الله! من شعب لا يزال يعيش في رفدك، ويأكل من فتات مائدتك، وينعم بالحرية والشرف في بلاد أنت حررتها من حكومة الظالمين وأخرجتها إلى ضوء الشمس، فمني ومن الشعب المسلم الهندي، إليك أفضل التحيات وأشرف التسليمات.